التقرير السياسي المقدم لاجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد بتاريخ 25/8/2022

الفترة الممتدة بين اجتماعي اللجنة المركزية، السابق والحالي، كانت حافلة بالعديد من المستجدات السياسية والاقتصادية على الصعيدين العالمي والإقليمي، وأيضاً على الصعيد الوطني، وسنحاول في هذا التقرير التطرق إلى أبرز هذه المستجدات، وبيان رأي حزبنا الشيوعي السوري الموحد فيها، آملين أن تسهم حوارات وآراء وملاحظات الرفاق في اجتماع اللجنة المركزية في إغناء هذا التقرير.

 

أولاً- الزلزال الروسي وتداعياته

إن العالم بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لن يكون كما كان قبلها، وهي مسألة باتت واضحة أمام الأمريكيين والأوربيين، وأيضاً أمام شعوب العالم والمجتمع الدولي بأسره، فانحسار تحكّم القطب الأمريكي بالسياسة والاقتصاد العالميين أصبح واقعاً، وأمام الخطوة الروسية التي جاءت رداً على السياسات العدوانية للولايات المتحدة و(الناتو)، يدرك حلفاء أمريكا اليوم أن الانسياق الأعمى وراء السياسات الأمريكية العدوانية لن تحمل إليهم.. ولا إلى العالم، الاستقرار السياسي والاقتصادي، لكن هذا لا يعني حسب اعتقادنا أن تحولاً دراماتيكياً في السياسات الأوربية سيحدث اليوم، إذ يستغرق هذا التحول زمناً أطول، لكن مؤشرات هامة تدل على أن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تتعرض لها الدول الأوربية ستكون مدخلاً لتغيير ملموس في العلاقات الأمريكية الأوربية، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها قوى المحافظين واليمين المتطرف والنازية الجديدة، وخاصة في السويد وفنلندا ودول البلطيق السوفييتية سابقاً وبولونيا.

  • التداعيات في أوربا:

لقد ظهرت هذه التداعيات في الشق السياسي، إذ أدت إلى سقوط الحكومات في بريطانيا وإيطاليا وبلغاريا ولتوانيا، وإلى تحالفات يسارية جديدة في فرنسا أوصلت (ميلانشون) إلى منافسة ماكرون، وفي ألمانيا إلى تراجع شعبية المستشار الألماني، خاصة بعد زيارة المستشار السابق إلى روسيا، والتأثيرات المدمرة لإيقاف الغاز الروسي على الاقتصاد الألماني، أما (أوربان) رئيس الوزراء الهنغاري الذي عارض فرض العقوبات الأوربية على روسيا، واستمر في استيراد الغاز، فقد صرح أن أوربا حين تعاقب روسيا.. فهي تعاقب نفسها.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد أدت العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوربي على روسيا إلى انعكاسات كارثية على الاقتصادات الأوربية أبطأت نمو القطاعات المنتجة، وأوقفت بعضها، وخاصة تلك المعتمدة في إنتاجها على الغاز ومستلزمات الإنتاج ذات المنشأ الروسي.

لقد وصل التضخم إلى مستوى قياسي في منطقة اليورو، وبلغ 8،9 % خلال شهر تموز الماضي، في الوقت الذي تواجه فيه الأسر الأوربية ارتفاعاً حاداً غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية والوقود والطاقة، ويزداد الخوف من شتاءٍ قاس. ووفقاً لمكتب الإحصاء الأوربي (يوروستات) فإن معدل التضخم هو الأعلى منذ 1997، ففي ألمانيا التي تملك أقوى اقتصاد أوربي، أصيب هذا الاقتصاد بركود في الربع الثاني، يدفعه شيئاً فشيئاً إلى حافة الانكماش، وفي فرنسا يتسارع ارتفاع الأسعار، ووصل في تموز إلى 6،1 % وهو أعلى معدل منذ عام 1985، وفي إسبانيا وصل التضخم إلى 10،8% في تموز الماضي وهو أعلى معدل منذ عام 1984.

  • التداعيات في الولايات المتحدة:

ارتفعت أسعار السلع الغذائية والوقود والمحاصيل الزراعية، ووصل معدل التضخم إلى 9،1% وهو الأعلى منذ 40 عاماً، ووفقاً للمعهد الأمريكي لإدارة التوريد، انخفض مؤشر نشاط الأعمال في الصناعة الأمريكية في تموز بنسبة 52،8%، وسجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً خلال الربعين الأولين من هذا العام.

  • التداعيات على تأمين الغذاء:

الدول النامية والفقيرة تعتمد في تأمين القمح والزيوت والسماد بنسبة تتجاوز 55% على التوريدات الروسية والأوكرانية، وهذا يسبب مخاوف عبّرت عنها هذه الدول، ومنظمة (الفاو)، وقد تم التوصل مؤخراً بعد قمة (طهران) إلى اتفاق لتصدير الحبوب من أوكرانيا وروسيا، لكن تعقيدات كثيرة تواجه تنفيذ هذا الاتفاق رغم البدء بتنفيذه في بداية شهر آب.

 

ثانياً – زيارة (بايدن) للمنطقة واجتماع جدّة:

زيارة الرئيس الأمريكي للكيان الصهيوني والسعودية، كانت دوافعها المباشرة تداعيات الزلزال الروسي، فتوقف تصدير الغاز والنفط الروسي إلى أوربا وأمريكا، دفع الإدارة الأمريكية إلى محاولة تجميع الحلفاء للتخفيف من آثار توقف التوريد الروسي، ودفع دول الخليج لتعويض ما أمكن، وتطويق آثار العقوبات على روسيا التي ارتدّت على منطقة اليورو بأسرها.

أعلن (بايدن) خلال زيارته للكيان الصهيوني استمرار التأييد غير المحدود لإسرائيل، بل أبدى إعجابه بالصهاينة، وقال: (أنا صهيوني)، ودعا الدول العربية إلى استكمال عملية التطبيع، وخاصة (السعودية)، وتبرع بمبلغ 100 مليون دولار للمؤسسات الصحية الفلسطينية، لكنه حصل على موافقة لتصدير الغاز الإسرائيلي.. المصري المشترك إلى أوربا، لكن أبرز ما صرح به تخوف الإدارة الأمريكية من إقدام روسيا والصين وإيران على ملء الفراغ في المنطقة، أي بكلمة أخرى، أعاد (بايدن) طرح مبدأ (ملء الفراغ) سيّئ الصيت، الذي طرحه (إيزنهاور) في خمسينيات القرن الماضي. وكان سبباَ أساسياً في توتير المنطقة، ومصادرة حقوق دولها وشعوبها في اختيار أسلوب تطورهم السياسي والاقتصادي المستقل.

لقد كتبنا على صفحات (النور) إن شعوب المنطقة، وبضمنها الشعب السوري، أسقطت فيما مضى، مبدأ (إيزنهاور)، ولن تسمح اليوم بوصاية أمريكية – صهيونية على استقلال قرارها السياسي، وسيادتها الوطنية.

لم ينجح (بايدن) في اجتماع جدة، ولقاءاته الثنائية مع القادة المشاركين، في تجنيد دول المنطقة إلى جانب أمريكا (والناتو) في مواجهتهم لروسيا، وحصل على وعود بدراسة إمكانية زيادة تصدير النفط، لكنه فشل في إقناع آل سعود بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، على الأقل في المرحلة الحالية.

أيها الرفاق..

لقد ذكرنا في رسالة سابقة، وفي ما تنشره جريدة (النور) عن مؤيدات الموقف الذي اتخذه حزبنا بتأييد روسيا في مواجهتها للسياسات العدوانية الأمريكية، والتهديد الذي يشكله توسع (الناتو) شرقاً، ونكرر اليوم، أن العملية الروسية في أوكرانيا تشكل منعطفاً تاريخياً سيؤدي إلى إزاحة القطب الأمريكي عن التفرد بمصير السلام والأمن والرفاه لشعوب العالم، وأن خلق بؤر التوتر وإشعال الحروب واصطناع الأزمات، سيتضاءل مع تحول العالم إلى عالم متعدد الأقطاب، وهذا ما نتوقعه.. ويتوقعه غيرنا أيضاً. لقد بدأت بالظهور إلى العلن تحالفات جديدة بعيدة عن القطب الأمريكي ومنطقة اليورو، وعقدت اجتماعات للتجمعات الإقليمية والاقتصادية (بريكس) و(شينغهاي) و(آسيان) كان الهدف منها التأكيد على استقلاليتها، واستمرار علاقاتها مع روسيا والصين، واتخذت الهند موقفاً لافتاً باستمرار استيراد النفط الروسي رغم العقوبات.

وقد بدأت بعض الدول الأوربية باستثناء بعض السلع من العقوبات، كذلك استثنت أمريكا السلع الغذائية والسماد، ورفعت الصين وروسيا مستوى العلاقات الاقتصادية بين الدولتين إلى مستويات غير مسبوقة، كذلك أعلنت كوريا الديمقراطية تأييدها لروسيا، واستعدادها للمواجهة (النووية) مع الولايات المتحدة.

قد لا يكون العالم المتعدد الأقطاب هو عالم سيادة الدول، ورفاه الشعوب، فهو عالم تديره أقطاب كبرى رأسمالية باستثناء الصين، لكن انحسار وحدانية القطب الأمريكي ستجعل وضع العالم أقل خطراً، إن الشعوب تسعى إلى عالم متعدد الأقطاب تسوده علاقات دولية تتقيد بمبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ويضمن حق الشعوب في الحرية والسيادة.

 

ثالثاً – قمة (طهران) والمسألة السورية:

أيها الرفاق..

ما أعلن عن مقررات قمة طهران التي جمعت رؤساء روسيا وإيران وتركيا في الجانبين السياسي والاقتصادي، يصبّ في مساعي روسيا إلى تعزيز علاقتها مع إيران، وتحييد تركيا أكثر فأكثر عن المخططات الأمريكية في المنطقة، ولم يصدر علناً ما يشير إلى نجاح المساعي الروسية الخاصة بتركيا، وإن تضمنت المقررات تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، والمساعدة التركية في التوصل إلى اتفاقية إعادة تصدير القمح الروسي والأوكراني، أما في المسألة السورية التي كانت محط اهتمام الاجتماع، فما نشر يؤكد على سيادة سورية، ومنع تقسيمها، وأهمية دعم السلطات السورية في بسط سلطة الدولة على جميع الأراضي السورية، ومواجهة بقايا الدواعش والمنظمات الإرهابية الأخرى، واستئناف الجهود السلمية وفق توجّهات منصة (استانا) لحل الأزمة السورية، أما في المؤتمر الصحفي وتصريحات المسؤولين بعد القمة وأيضاً من خلال ما يجري على الأرض في المنطقة الشمالية والمنطقة الشرقية، فقد ظهرت بعض مخرجات هذه القمة:

  • تراجع التهديد التركي باجتياح عسكري في الشمال والمنطقة الشرقية، وهو حسب اعتقادنا تراجع مؤقت لا يمكن الركون إلى مصداقيته.
  • لم يتفق الطرفان الروسي والتركي على اعتبار (قسد) والمنظمات العسكرية الكردية الأخرى، ضمن المنظمات الإرهابية، وأكد الطرف الروسي على دورها في مواجهة داعش.
  • لعبت إيران دوراً في تسهيل الوصول إلى اتفاق تركي – سوري، جوهره العودة إلى اتفاقية (أضنه) وصدرت بعض التصريحات التركية لوزير الخارجية وأردوغان تؤيد بسط سلطة الدولة السورية على جميع المناطق، واستعداد تركيا للمساعدة في ذلك، وتم بحث هذه المسألة خلال زيارة وزير الخارجية السوري إلى طهران فور انتهاء القمة، وأيضاً خلال زيارة الوزير الإيراني إلى سورية بعد أن زار تركيا مباشرة.
  • استمرار الجهود التي بذلتها روسيا لبدء حوار جدي بين الحكومة والإدارة الذاتية، فقد كثف الطرف الروسي جهوده بعد قمة طهران، وأثمرت هذه الجهود عن عقد لقاء موسع، جرى فيه بحث حزمة من المسائل، وقد نشرت وسائل الإعلام بعض المسائل التي نوقشت خلال الاجتماع، ومنها حل كل التشكيلات العسكرية، وعودة جميع مؤسسات الدولة إلى ممارسة عملها، وتسليم حقول النفط ومخازن القمح للدولة، وتأكيد الجانب الكردي على رفض الانفصال والتمسك بالدولة السورية، والمطالبة بمناهج تربوية تراعي اللغة الكردية، ومسائل أخرى، لكن لم يصدر أي تأكيد رسمي على اللقاء، ولا عن مضمونه والقضايا التي كانت مثار الحوار.

مؤشرات ميدانية تدل على تنسيق بين (قسد) والجيش السوري، فقد دخلت القوات السورية إلى مناطق من الشمال والمنطقة الشرقية كانت تحت سيطرة (قسد)، ويجري تعزيز وجود هذه القوات يومياً بالأسلحة الثقيلة واللوجستيات.

  • تم الإعلان عن تنسيق عسكري بين روسيا وتركيا في المنطقتين الشمالية والشرقية، ويجري العمل بين الدولتين على تنفيذه، وسيكون هذا الموضوع على رأس زيارة أردوغان لسوتشي، ومباحثاته مع الرئيس بوتين.

أيها الرفاق..

جميع المؤتمرات الدولية والإقليمية التي تدرج الأزمة السورية في جدول أعمالها  تؤكد على سيادة سورية، ومنع تقسيمها، لكن ما نراه على الأرض هو عرقلة أمريكا لأي حل سلمي، وتعزيز مستمر لقواتها المسلحة التي تحتل الأرض السورية، وتقيم القواعد العسكرية  وتعيد هيكلة بقايا الدواعش، وتسرق النفط السوري، كذلك الحال مع التعهدات التركية بلجم المنظمات الإرهابية في إدلب وعفرين التي بقيت حبراً على ورق، بل عمدت تركيا إلى التهديد بالاجتياح العسكري للشمال والمنطقة الشرقية من سورية، وتحركت قواها المسلحة بعمليات تمهيدية لبدء الاجتياح.

لقد أعلن حزبنا الشيوعي السوري الموحد عن تأييده للحل السلمي للأزمة السورية، لكن هذا الحل يفترض موافقة وتأييداً ومبادرات من جميع الفرقاء المتداخلين في هذه الأزمة، كما يتطلب نوايا صادقة تذلل جميع الصعوبات والعراقيل التي تعترض التوصل إلى حل نهائي، وهذا لم يتحقق حتى يومنا هذا، في الوقت الذي تعاني فيه سورية من مفاعيل الحصار والعقوبات  وركود الاقتصاد السوري، ويعاني فيه شعبنا من أوضاع معيشية واجتماعية وصلت إلى مستويات مأساوية، تنذر بمخاطر جديّة، بعد أن أصبح حصول المواطن على اللقمة والدواء والدفء أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

 

أيها الرفاق..

لقد أكدت مقررات المؤتمر الثالث عشر للحزب على التمسك بالحل السياسي، لكنها أكدت أيضاً على مواجهة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي بجميع أشكال المواجهة والحفاظ على السيادة السورية، ووحدة سورية أرضاً وشعباً، لذلك طالبنا وما زلنا نطالب الحكومة.. وجميع مراكز القرار، بأهمية توفير مستلزمات المواجهة مع المحتلين، إذ لا يجوز حسب اعتقادنا الانتظار المؤبد لحل سياسي لأزمتنا التي أرهقتنا، وهذا ما ذكرناه في التقارير المقدمة لاجتماع اللجنة المركزية، وفي بلاغات المكتب السياسي، إذ أعلنّا تأييدنا للحل السياسي بالاستناد إلى الثوابت الوطنية، وطالبنا بدعم المواجهة الوطنية المسلحة للاحتلال، وأكدنا ونؤكد اليوم أن جمع كلمة السوريين عبر حوار وطني شامل يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية في البلاد هو حجر الزاوية في تسهيل الوصول إلى حل سياسي، وأيضاً في تصليب المقاومة للاحتلال، ومن أجل الحفاظ على السيادة السورية ووحدة شعبنا وأرضنا، وتمكين المواطنين السوريين من  تحقيق خيارتهم السياسية والديمقراطية، واختيار نظامهم السياسي دون تدخل خارجي.

بعد أقل من 24 ساعة على ختام قمة طهران، صرح وزير الخارجية التركي بأن (لا أحد يملي علينا متى، وكيف ننفذ العملية العسكرية في سورية)! وهذا ما يؤكد ما ذكرناه حول عدم ثقتنا بكل التعهدات والمواثيق التي تكون تركيا طرفاً فيها، وهذا ما يستلزم حسب اعتقادنا استمرار الحوار والتنسيق بين الحكومة والإدارة الذاتية، خاصة بعد تصريحات إيجابية صدرت عن قادة بارزين في (قسد) والإدارة الذاتية. إن استمرار الحوار وبذل الجهود المخلصة من الطرفين ستقطع الطريق على المتطرفين من كلا الجانبين، وتمهد الطريق لاتفاق نهائي يحفظ السيادة السورية، ويبسط سلطة الدولة على جميع المناطق السورية من جانب، ويحقق المطالب المشروعة للشعب الكردي وأهمها حقوق المواطنة جنباً إلى جنب مع أطياف الشعب السوري، والحفاظ على ثقافتهم الوطنية، ولغتهم، وأيضاً خطة حكومية لتنمية المنطقتين الشرقية والشمالية، بعد أن جرى تهميشهما خلال عقود، من جانب آخر.

في هذا الموضوع يتم التشاور والتنسيق الدائم مع رفاقنا في الحسكة، الذين أكدوا أن العديد من المسؤولين في الإدارة الذاتية و(قسد) طالبوا عبر وسائل الإعلام بضرورة التنسيق والحوار مع الحكومة بهدف التصدي للتهديدات التركية، ولاقت هذه الدعوات ترحيباً روسياً، وتحفظاً أمريكياً وأن هذه المواقف لاقت ارتياحاً لدى سكان المنطقة، وأن اللقاءات تجري بين الجانبين رغم وجود نقاط خلافية، وأن هذه اللقاءات تقطع الطريق على الأطراف المتضررة من تفاهم الجانبين، وحل القضايا الخلافية.

 

   رابعاً- بيلوسي في تايوان.. الضغط على الصين

العملية الروسية وضعت الإدارة الأمريكية في موقف صعب، فهي لا تستطيع النزول إلى ميدان المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا من جهة، وموقعها الراعي (للناتو) ومسؤوليتها تجاه الحلفاء الأوربيين تفرض عليها بذل جميع الجهود لإيقاف العملية الروسية أو تصعيب إنهاء قضية أوكرانيا وفق مشيئة روسيا، من جهة ثانية.

وهكذا جاء (بايدن)إلى الخليج ليحذر من (البعبع) الإيراني، وأرسل قادته العسكريين إلى المنطقة الشرقية في سورية لتحذير الإدارة الذاتية من اللقاء والحوار مع الحكومة السورية، وأرسل تعزيزاته العسكرية إلى قواعده هناك، ثم بدأ الحديث حول ضرورة الرد على الموقف الصيني المساند لروسيا، وأخيراً الإعلان (الملتبس) بداية عن زيارة بيلوسي، ثم تأكيد الزيارة بعد وصولها إلى تايوان.

إن تصعيد الأوضاع وزيادة التوتر في المناطق الساخنة في العالم، التي كانت الولايات المتحدة السبب الرئيسي في تحولها إلى أزمات دولية، هو ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية اليوم، في محاولة للجم الاندفاع الروسي في أوكرانيا، وتشتيت تركيزه على إنهاء المسألة الأوكرانية، ومنعه من حصد ثمار انتصار سيغيّر هيكلة السياسة والاقتصاد العالميين.

لقد تغاضت الإدارة الأمريكية عن قرارات الأمم المتحدة، والتجمعات السياسية والاقتصادية العالمية، التي تؤكد أن الصين دولة واحدة، وتمثلها جمهورية الصين التي طرحت مبدأ (صين واحدة ونظامان) وتحدّت مشاعر الشعب الصيني، وصعدت من خطورة الأوضاع في بحر الصين، إضافة إلى مسألة أخرى تشغل بال الإدارة الأمريكية منذ زمن، وهي اطمئنان أمريكا للاستمرار في الحصول على أشباه الموصلات (الرقائق) الإلكترونية، التي تعد تايوان المصنع الرئيسي لها في العالم، هذه الرقائق التي تدخل في الصناعات الإلكترونية والعسكرية والأجهزة الدقيقة، وهذا ما يفسر اللقاء الذي عقد بين (بيلوسي) ورئيس شركة تايوان لصناعة الموصلات (مارك ليو) وإبلاغه قرار الإدارة الأمريكية بوضع جميع متطلبات إقامة مصنع للشركة في أمريكا، لمنع الصين من الاستحواذ على هذه الصناعة.

الرد الصيني كان غاضباً.. لكنه تميّز بالحكمة أيضاً، وأكدت الصين أن أمريكا ستدفع ثمن هذا التحدي لأهم مبدأ تتمسك به القيادة والشعب الصيني.

لقد ألغت الصين حضورها في حزمة من اللجان المشتركة مع أمريكا، ورفعت جاهزيتها العسكرية في بحر الصين، وباعتقادنا ستشهد الأيام القادمة مزيداً من الإجراءات الصينية.

لقد أعلن حزبنا تضامنه مع الصين وقيادتها وشعبها في مواجهتهم للعربدة الأمريكية، وأصدر المكتب السياسي بياناُ بهذا الشأن.

 

خامساً- لقاء بوتين وأردوغان في سوتشي

ما نشر عن لقاء الرئيس بوتين وأردوغان يؤكد حرص الطرفين على السيادة السورية على جميع الأراضي، وضرورة خروج الاحتلال الأمريكي، وأهمية الاستمرار في بذل الجهود لإنجاح الحل السياسي للازمة السورية. ويبدو أن الرئيس بوتين عرض على أردوغان أفقاً حول لقاء سوري تركي يمهّد لحل الخلاف بين الدولتين لما فيه مصلحة دول المنطقة إضافة إلى مصلحتها، وهذا ما يفسر التصريحات التركية اللاحقة حول استعداد تركيا للحوار والتنسيق مع الحكومة السورية.

وفي لقاء لافروف والمقداد في موسكو، طالب المقداد بخروج القوات التركية من الأرضي السورية، ووقف الدعم التركي للمنظمات الإرهابية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية في سورية، والإفراج عن حصة سورية من المياه، ويبدو أن اجتماعات تعقد بين الجانبين على مستوى الأجهزة الأمنية حتى تاريخه ولم تعقد اجتماعات رسمية.

نؤكد مرة أخرى أيها الرفاق أن حزبنا يؤيد الحل السياسي للأزمة السورية المستمرة منذ 11 سنة، والتي أدت إلى خسائر هائلة، وسببت نزيف الدم السوري، وأرهقت الاقتصاد وكانت السبب الرئيسي لمعاناة المواطنين، التي وصلت إلى حد مأساوي، فإطالة أمد هذه الأزمة سيدخل البلاد في نفق يصعب التنبؤ بنتائجه.. وتداعياته على جميع الأصعدة، لكننا نؤكد أيضاً أهمية الحفاظ على الثوابت الوطنية في أي حوار مع أي طرف متداخل في الأزمة السورية، بما فيها تركيا، ويأتي في مقدم هذه الثوابت: الحفاظ على سيادة سورية وخضوع جميع المناطق السورية لسلطة الدولة، ووحدة الأرض والشعب، وتلبية حقوق المواطنين السوريين الدستورية والديمقراطية، وحقهم في اختيار نظامهم السياسي وقادتهم، ومستقبلهم، دون تدخل الخارج.

 

سادساً- الأوضاع الفلسطينية

لم تبتعد زيارة بايدن للكيان الصهيوني عن الأسلوب الذي تتبعه الإدارة الأمريكية في التعامل مع القضية الفلسطينية، وإعلان بايدن عن تأييده للدولتين، لم يسبقه.. ولن يتبعه أي جهد متوازن في الاتجاه، بل كانت هذه الزيارة تكريماً لعدوانية الكيان الصهيوني وتحفيزه للخوض في عدوانه الاستيطاني على الأرض الفلسطينية والاعتداء المتواصل على الشعب الفلسطيني، وهذا ما برز في الاعتداءات الصهيونية على غزة، التي تسببت باستشهاد العشرات وجرح المئات من سكان القطاع.

إن القضية الفلسطينية أيها الرفاق كانت وستبقى قضيتنا المركزية رغم الضغوط الأمريكية الهادفة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتحييد محور المقاومة، والعودة إلى أسلوب الاتفاقات النظرية، وقد أصدر حزبنا بياناً سياسياً، أدان فيه الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة، وأعلن وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله من اجل نيل حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير وإنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

يؤكد حزبنا في جميع لقاءاته مع الفصائل الفلسطينية أهمية وحدة الصف الفلسطيني، وحل الخلافات عن طريق الحوار، والنضال المشترك، وبجميع الوسائل السياسية والعسكرية، لمقاومة العدو الصهيوني.

 

سابعاً- لبنان في النفق المعتم

مصالح قوى الطائفية والإقطاع السياسي تقف عائقاً أمام أي تحسين في الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية.

حتى اليوم يصطدم تشكيل الحكومة اللبنانية بالفيتو الطائفي، ويزداد تدهور الاقتصاد اللبناني، ويعاني المواطن اللبناني من ظروف معيشية غاية في الصعوبة، أما البنك الدولي فيضع أمام الحكومة اللبنانية حلولاً.. أحلاها مُرّ.

لقد أعلنت الحكومة اللبنانية إفلاسها، ووضعت مصيرها بيد الصناديق الدولية، ويوماً بعد يوم تزداد المصاعب أمام المواطن اللبناني في الحصول على لقمة العيش، وتحرص القوى الطائفية وحلفاؤها وأمريكا وإسرائيل بشكل ممنهج على تحميل المقاومة اللبنانية، وحزب الله المسؤولية عمّا آلت أليه الأوضاع، في محاولة لحرمان لبنان من أداته الرئيسية في مقاومة العدوان الصهيوني.

لقد أعلن حزبنا تضامنه مع رفاقنا في الحزب الشيوعي اللبناني، ومع الشعب اللبناني، من أجل القضاء على الطائفية السياسية والذهاب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضع مصالح لبنان والشعب اللبناني فوق مصالح الإقطاع السياسي.

وفي اتصالاتنا مع قيادة الحزب الشيوعي اللبناني، نبدي تأييدنا وتضامننا مع نضال الشيوعيين اللبنانيين من أجل لبنان.

 

ثامناً- الوضع في العراق

تشتد تداعيات حالة الانسداد السياسي، وانعكاساتها السلبية على استقرار العراق وحياة الناس ومعيشتهم، ويتحمل كامل المسؤولية عن ذلك القوى التي تنعم بالامتيازات، وتتمسك بالمحاصصة كنهج لإدارة الدولة. فالانسداد السياسي لا ينحصر بانتخاب الرئاسات وتشكيل الحكومة، بل يتجلى في مظاهر وتعبيرات الأزمة العميقة للعملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، التي كانت دائما حاضنة الفشل والفساد.

إن الصراع القائم من أجل السلطة، بين القوى المتنفذة، لا يمثل صراع مشاريع لبناء الدولة، إنما هو امتداد لصراعات تقاسم الثروة والنفوذ، وإن أية حكومة جديدة، تتشكل وفق نهج المحاصصة سيكون مصيرها الفشل، أيّاً كان المكلف برئاستها. ولن تختلف تلك الحكومة، في جوهر الأمر، عن أية حكومات تشكلت على أساس المحاصصة في السنوات الماضية، ولقد أظهرت التحشّدات الطائفية مؤخراً، ومحاولة فرض الإرادة بقوة الانتماء الطائفي أن الإصرار على مواصلة هذا النهج لا يؤدي سوى إلى تعميق الأزمة وفتح الطريق أمام مسارات خطيرة تهدد البناء الدستوري للدولة، والسلم الأهلي.

يؤكد رفاقنا في الحزب الشيوعي العراقي أهمية الحرص على تعزيز مسار العمل السياسي الديمقراطي السلمي، ويدعون إلى تنظيم انتخابات مبكرة، عادلة ونزيهة، تعكس إرادة العراقيين الحقة، تنظمها حكومة مؤقتة، مستقلة فعلاً، تحظى بقبول وطني، كما يؤكدون مشروع الشيوعيين، السياسي الوطني الديمقراطي الذي يتبنى (التغيير الشامل) لبناء الدولة المدنية

الديمقراطية على أسس المواطنة والعدالة الاجتماعية، لتحقيق تطلعات الشعب في حياة حرة وكريمة، ويطالبون جميع القوى والشخصيات المدنية الديمقراطية، وقوى التغيير الوطنية، ممن لم يتورطوا في الأزمات، توحيد الجهود وتنظيم الصفوف لخلق معادلة وطنية تمثل بديلاً سياسياً لمنظومة المحاصصة، وتمتلك المشروع الحقيقي والرؤية الصادقة، وتفتح الآفاق نحو بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية.

 

تاسعاً- الأوضاع في الداخل

لم يجرِ أيّ اختراق في الوضع السياسي في البلاد.

  • إصدار قانوني العفو، ومنع التعذيب، مؤشر بسيط على توجه النظام نحو تهيئة بيئة ملائمة للعملية السياسية، لكن المهم هو تنفيذ بنود هذين القانونين أولاً، وثانياً الخلاص نهائياً من مسألة الاعتقال السياسي، والإفراج عن من اعتُقل لأسباب سياسية.
  • زيارة الرئيس الأسد إلى إيران أدت إلى تطوير العلاقة بين البلدين، وفتحت إيران خطاً ائتمانياً لسورية بهدف تأمين المشتقات النفطية، وذكر العديد من المحللين أن الزيارة ساهمت في تعزيز النفوذ الإيراني في سورية.
  • تخوف المسؤولون في البلاد بعد بدء العملية الروسية في أوكرانيا، من تأثير هذه العملية على التوريدات الروسية للمشتقات النفطية والقمح ومستلزمات الصناعة السورية، لكن المصادر الحكومية الروسية أكدت استمرار هذه التوريدات، أما ما يقوله الصناعيون والمستوردون، فيعبّر عن قلقهم من صعوبة الحصول على مستلزمات القطاعات المنتجة.
  • تثبت الحكومة يوماً بعد يوم تهميشها لكل ما هو ضروري وأساسي في حياة المواطن السوري، وجميع تصريحات المسؤولين الحكوميين، ووعودهم، كانت خلبية، وهذا ينطبق بشكل خاص على تصريحات مسؤولي الكهرباء والنفط والمياه ووزراة حماية المستهلك، وجوهر الأمر أن الحكومة تركت الشأن الاقتصادي والمعيشي لحزمة من المستوردين ورجال أعمال (بازغين) وبعض التجار الكبار المتحكّمين بالأسواق، وبعض المسؤولين من الدرجة الثالثة، وضعتهم في مواجهة الغضب الذي تعبّر عنه بشكل علني كل الفئات الفقيرة والمتوسطة في البلاد.

الأوضاع المأسوية للمواطنين مرشحة للتفاقم أكثر فأكثر، ولا توجد أي مؤشرات جدية لمعالجة الحكومة أيّ معضلة معيشية أو اجتماعية، خاصة بعد أن أصبح ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات يجري بشكل يومي.. وكيفي (في التقرير الاقتصادي تفاصيل أوسع حول الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.)

  • في جميع المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بالمسألة السورية، يجري التأكيد على العملية السياسية استناداً للقرار 2254، وهو القرار الوحيد الذي نال موافقة الأطراف المتداخلة بالأزمة السورية، وهذا ما أكده بوتين وأردوغان في اجتماع (سوتشي) بتاريخ 5/8/2022 في معرض بحثهما للأزمة السورية.

صحيح أن هذا القرار لا يلبي جميع متطلبات حل الأزمة، وأن ظروفاً جديدة نشأت بعد إقراره، لكنه الوثيقة الوحيدة التي يتمسك بها الجميع لبدء العملية السياسية في البلاد. الحكومة السورية لا تعلن معارضتها للقرار، لكنها لا تخفي أيضاً عدم الرغبة في اعتباره ملزماً لها، بل تتجاهله في كثير من الأحيان دون طرح البديل.

ونحن نرى أن العملية السياسية في البلاد هي استحقاق وطني سبق أن أعلنه السيد رئيس الجمهورية منذ بداية الأزمة السورية، فوضع دستور ديمقراطي يضمن حقوق المواطنة.. والديمقراطية، وتعظيم كرامة الوطن والمواطن، لا يحتاج إلى وثائق دولية بقدر احتياجه إلى نوايا جدية للاستفادة من دروس الأزمة ومحاولة الغزو الفاشي، وتنظيم انتخابات ديمقراطية، وأسلوب سلمي لتداول السلطة، هي طموحات مزمنة للشعب السوري، وتحقيقها في الحياة يعبر حسب اعتقادنا عن الوفاء بالوعد.. وتلبية طموح السوريين، لا عن الالتزام بهذا القرار الدولي أو ذاك.

 

  • المنطقة الجنوبية.. إلى متى؟

لم تشهد المنطقة الجنوبية في البلاد هدوءاً منذ أن أعلن عن المصالحات التي جرت بهذه الطريقة أو تلك.

المنطقة الجنوبية وخاصة درعا والسويداء، بخصوصية كل منهما، التي اتسمت بها قبل الأزمة.. وخلالها وبعدها، كانت الخاصرة الضعيفة في استقرار متوقع بعد دحر المنظمات الإرهابية، فالمصالحات التي جرت أفرزت تنظيمات جديدة.. وأمراء مرتبطين بهذه الجهة أو تلك، وكل منها ينفذ أجندة الداعمين، والخاسر الأكبر كان الاستقرار، والمواطنين في المحافظتين، الذين تعرضوا للقتل والخطف وطلب الفدية، والتعدي على الأملاك، وعدم الخضوع لقوانين الدولة وهيبتها، في الوقت الذي كانت فيه السلطات تكتفي بالمراقبة، وربما ساندت هذا الطرف أو ذاك.  وإذا كان موقف السلطات في هذه المسألة غير مفهوم، ولا مبرر، فمن يضمن سلامة هاتين المحافظتين؟ وعلى من تعتمد الدولة في منع تدهور الأوضاع أكثر فأكثر، هل على مجموعات مسلحة تموّل من الخارج، أم على تحشّد مذهبي حول رجال الدين؟! أم قبلي وعائلي؟

في درعا يجري اغتيال يومي للمسؤولين الحزبيين ورجال القوات المسلحة، والمنظمات الإرهابية ما زالت موجودة في أكثر من موقع، كذلك يجري اغتيال الشخصيات والعائلات التي وقفت في مواجهة الإرهاب، وتوضع العبوات الناسفة في سيارات المسؤولين السياسيين والعسكريين، فإلى متى سيبقى الخوف مسيطراً على المدينة ومناطقها؟

المطلوب اليوم.. وكما أكدنا سابقاً، بسط سلطة الدولة وهيبتها على المحافظتين، وتصفية جميع بقايا المنظمات الإرهابية، والتخفيف من معضلات المواطنين المعيشية، وذلك من أجل قطع الطريق على من يخطط لتحويل سورية إلى كانتونات.

  • التفاوت الطبقي يزداد اتساعاً

في ظل تراجع دور الدولة في الحياة الاقتصادية، وانسحابها التدريجي من دعم الفئات الفقيرة والمتوسطة، وبعد تعثر القطاعات الاقتصادية المنتجة في القطاعين العام والخاص بسبب الحصار والعقوبات، وأيضاً بسبب تهميش الحكومات المتعاقبة لتحفيز النشاط الاقتصادي حتى في ظروف الحصار، وبعد أن تخلت الحكومات عن دورها في تحديد الأسعار وفق موازنة الأجور والأسعار، وتركت الأمر لحزمة المستوردين وتجار الأزمة والمتحكمين بالأسواق، وبعد استمرار اتحاد نقابات العمال في تركيزه على النضال السياسي وتهميشه للنضال المطلبي، اتسعت الهوة كثيراً بين أكثرية المواطنين السوريين، وبضمنهم الطبقة العاملة والمزارعين الصغار وجمهور المثقفين والمتقاعدين، وأقلية لا تتجاوز 20% من المواطنين تملك الثروة والنفوذ والقدرة على الوصول إلى فرض إرادتها على الجهات الحكومية. لقد تجاوزت نسبة الفقر 85% من مجموع السكان، وهذا أدى إلى تداعيات لا تقتصر على المعاناة المعيشية فحسب، بل تجاوزت هذه التداعيات إلى جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

-تواجه الطبقة العاملة والفئات الفقيرة ظروفاً مأساوية، ومعاناة تصل إلى درجة الإرهاق، من أجل تأمين الغذاء والدواء والدفء، فإضافة إلى ما فرضه الحصار من فقدان العديد من المواد، ساهمت الحكومة بتخليها عن دورها الرعائي، وحفنة من المستوردين وبعض كبار التجار المتحكمين بالأسواق والأسعار، بإفقار هذه الفئات ذات الدخل المحدود، بسبب عدم قدرتها على مجاراة الارتفاع اليومي لأسعار جميع السلع والخدمات، ويوماً بعد يوم، ومع فرض المزيد من الضرائب والرسوم غير المباشرة، دخلت أوساط واسعة من العمال السوريين إلى خانة الفقر المتوقع بعد عجزها عن تدبير الحد الأدنى من المكون الغذائي لعائلاتهم.

-تلجأ نسبة غير قليلة من العمال والعاملين في الدولة إلى عمل إضافي بعد انتهاء الدوام في عملها الأصلي، في محاولة لزيادة دخلها، ورغم الإرهاق الذي تتعرض له، لا تجد في الأجور الإضافية ما يجعلها قادرة على تأمين مستلزمات الحياة اليومية.

-افتقار هذه الفئات، وبضمنها الطبقة العاملة، يجبرها في كثير من الأحيان على سحب أبنائها من مراحل التعليم الأساسية، في حين يلجأ الأبناء في المراحل الثانوية والجامعية إلى ترك الدراسة والالتحاق بأي عمل يدعم وضعهم العائلي، لقد وصل التسرب من التعليم الإلزامي إلى نسبة تتجاوز 20% وهكذا يبقى التعليم حكراً على الفئات القادرة والثرية، التي تستطيع دفع تكاليف العملية التعليمية، خاصة أن أقساط بعض المدارس المخصصة للأثرياء يتجاوز رسمها السنوي 15 مليون ليرة سورية.

-نظراً لارتفاع نسبة البطالة إلى نحو 60% وانخفاض فرص العمل في القطاعات النظامية، يلجأ الشباب إلى قطاع الظل، الذي نما وازداد حجمه ومساهمته في مجمل النشاط الاقتصادي، دون الحصول على الضمانات الاجتماعية، وخارج أي رقابة حكومية أو نقابية.

– مع انسداد الآفاق أمام الشباب، أصبح الهدف الأساسي لهؤلاء هو الهجرة إلى الخارج،  في مرحلة يعاني فيها هرم السكان ضيقاً في القاعدة، وتواجه  سورية ترهلاً في أعمار العمال، ونقصاً في أعدادهم في القطاعين العام والخاص، ونرى أن من يخطط لإعادة الإعمار ويصرح بأن هذه العملية قد بدأت فعلاً، عليه أن يشعر بالقلق إذا كان جاداً، فأين اليد العاملة التي ستبني وتزرع؟!

-في ظل تراجع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي منذ ما قبل الأزمة، وانخفاض مساهمتها من 24 إلى 14%، وبعد سنوات الجمر التي سببت أضراراً لا تحصى لقطاع الزراعة، وخاصة المحاصيل الاستراتيجية، تناقصت الأيدي العاملة الزراعية بنسبة تتجاوز 45%، بعضهم هجر العمل الزراعي إلى مهن أخرى، والبعض أصبح خارج البلاد.

-نعتقد أن على الاتحاد العام لنقابات العمال، الخلاص من مقولة:(نحن والحكومة في مركب واحد)، فمن يرفع نسبة الضرائب غير المباشرة، ويخطط لإلغاء مكاسب الطبقة العاملة، ويهمش دورها السياسي والاجتماعي، ويتهرب من موازنة الأجر مع المستوى العام للأسعار، لا يمكن أن يكون في قارب واحد مع ممثلي الطبقة العاملة الذين عليهم أن يدافعوا عن الحقوق السياسية الاقتصادية والإنسانية للطبقة العاملة.

نؤكد هنا على استقلالية النقابات، وعدم خضوعها لأي سلطة أو مرجع حكومي أو حزبي.

 

المهام الموضوعة أمام الحزب ومنظماته

أيها الرفاق..

  • إن المرحلة التي تمر بها بلادنا بالغة الخطورة والتعقيد، وإمكانية توقع الآتي تبدو شديدة التعقيد، سواء تعلق الأمر بحل المسألة الوطنية ومتطلباتها بالداخل، أو بصيرورة السياسات الاقتصادية والمعيشية للحكومة التي تطحن بقوة الفئات الفقيرة والمتوسطة. في مثل هذه الظروف، علينا أن نتمسك بالمواقف الرئيسة لحزبنا، سواء على الصعيد السياسي أم الاقتصادي، ومتابعة اللقاء والتنسيق مع القوى اليسارية والوطنية، والارتقاء بهذه المسألة إلى وضع إطار سياسي واقتصادي لتجمع يساري وطني.
  • رغم مطالباتنا المتكررة بدعوة القادة السياسيين والحزبيين في حزب البعث العربي الاشتراكي، للارتقاء بعمل الجبهة الوطنية التقدمية، وزيادة دورها في الحياة السياسية، ما تزال الجبهة قاصرة عن لعب أي دور مؤثر، ويقوم ممثلنا في القيادة المركزية، الرفيق الأمين العام، بتقديم اقتراحات لتحسين عملها، واقتراحات أخرى باسم الحزب حول القضايا الاقتصادية والمعيشية، كذلك يقوم الرفاق في فروع الجبهة بالمحافظات بنقل مطالب الناس وقضاياهم وتقديم الاقتراحات لمعالجة العديد من المسائل، علينا الاستمرار في المحاولة بتطوير عمل الجبهة.
  • نحن مع الحل السياسي للأزمة السورية استناداً للثوابت الوطنية، المتمثلة بخروج الاحتلالين الأمريكي والتركي، واستكمال بسط سلطة الدولة على جميع الأراضي السورية، ووحدة الأرض والشعب، وضمان حقوق المواطنين السوريين السياسية والديمقراطية، لكننا وفي الوقت ذاته، سندعم بجميع أشكال الدعم مقاومة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي، وندعو إلى تشكيل مقاومة شعبية مسلحة لمواجهة الاحتلال.
  • يبدو أيها الرفاق أن الحكومة قررت استخدام أسلوب (الصدمات) سيئ الصيت في علاجها للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أي إلغاء التسعير الإداري والدعم الاجتماعي، وترك الأمر للسوق، وهو الأسلوب الذي ارتبط باسم (غايدار) في زمن (يلتسن) في روسيا. إن ارتفاع الأسعار لم يعد تدريجياً كما في زيادة أسعار البنزين والإسمنت والحديد والدواء، وربما الخبز قريباً، وهذا التوجه سيزيد من مآسي المواطنين السوريين من الفئات الفقيرة. علينا مقاومة هذه التوجه، وبيان أضراره الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ورفع مذكرات تتضمن بدائل أخرى لمعالجة الأوضاع، وتنظيم ندوات خاصة لشرح أضرار العلاج (بالصدمة).
  • على جميع منظمات الحزب، تنظيم اجتماعاتها، والقيام بمبادرات جدية لتحسين عملها، واستمرار التواصل مع القوى السياسية اليسارية والوطنية، واقتراح مبادرات مشتركة، ووضع قيادة الحزب بشكل دوري بصورة الأوضاع في المحافظات.
  • انتخابات الإدارة المحلية استحقاق وطني، على جميع منظمات الحزب المشاركة فيها، والعمل المشترك مع الأحزاب الوطنية داخل الجبهة وخارجها.
  • دعم جريدة (النور) بالكتابة إليها، وخاصة حول القضايا المطلبية، وإشراك أكبر عدد ممكن من الأصدقاء بالجريدة.
  • منظمات الحزب في المنطقة الشمالية والشرقية، عليها وضع خطة طوارئ تحسباً لأي عدوان تركي.

 

المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد

آخر الأخبار