في ذكرى التأسيس (2/2)
من قلب الحدث انبثق التيار التنويري والوطني والإنساني والأخلاقي لأقدم وأعرق الأحزاب السياسية والوطنية السورية، ومن خضم الصراع الوطني والطبقي تفتحت عيون الأدب الماركسي في التربة السورية.
مبكّراً قالها الكاتب الماركسي سليم خياطة: (مقاومة الصهيونية هي مقاومة كل اشكال الاستعمار).
قال هذا في نهايات ثلاثينيات القرن الماضي، وقبل قيام دولة إسرائيل الغاصبة لفلسطين.
وسبقه لينين واصفاً الصهيونية بأنها: (حركة عنصرية).
هي مقدمات لنثر الفكر الاشتراكي العلمي والثقافة الوطنية على مساحة الجغرافيا السورية.
نستكمل الآن جزأنا الثاني كمقدمة أولية لنضال كوادر الحزب، ونسلط الضوء على دور الشيوعيين، في موضوع ضمّ لواء إسكندرونة إلى تركيا، فكان هو الموضوع الأهمّ للحزب الشيوعي. وسيسجل التاريخ السياسي لسورية هذا الموقف الريادي المتميز والمتقدم، فقد أصدرت اللجنة المنطقية للحزب في لواء إسكندرونة في١٨كانون الأول ١٩٣٧ بياناً لشعب اللواء جاء فيه: (إن الحزب الشيوعي السوري الذي يناضل في سبيل الحرية الوطنية والاشتراكية لجميع سكان اللواء وفي سبيل حكومة ديمقراطية إنسانية، كان أول من احتجّ على قرار عصبة الأمم، ذلك القرار الجائر الذي يفصل اللواء عن وطنه الأم سورية).
وهنا نذكُر وللتاريخ كلام الكاتب الكبير حنه مينه في مقابلة له مع زياد الملا: (الحزب الشيوعي افتتح مكتباً علنياً في اواخر عام ١٩٣٦م، وآتى الرفيق خالد بكداش في سيارة للنقل العام، فخرجنا لاستقباله يتقدمنا آرتين ماخيام.. قاسم رضوان.. وفي اليوم التالي جرت حفلة خطابية في سينما روكسي خطب فيها بكداش فأدهش الناس. وكان الحشد الكبير والازدحام لا يوصف).
وفي أول عام ١٩٣٨ قامت مظاهرة صاخبة ضد المحتل الفرنسي، فأطلق الجنود الفرنسيون النار واستشهد الرفيق الشيوعي عبد المسيح (لم يتذكر حنه مينه نسبته).
لقد أدرك الحزب مبكرا دور الصحافة في العمل النضالي والسياسي والحزبي، فأصدر في ١٧اذار عام ١٩٣٠م جريدة صوت العمال الأسبوعية، وكان رئيس التحرير المناضل فؤاد الشمالي. وقد قامت الجريدة بدورها التحريضي في دعم وتأييد المطالب النقابية، مثل إضراب سائقي السيارات في بيروت عام ١٩٣١م، فقامت سلطات الاحتلال الفرنسي بحظر النقابة العامة لتعاون العمال في زحلة.
ومن وحي التجربة والنضال أدرك الحزب أهمّية المؤتمرات مبكراً.
فعقد المؤتمر الأول للحزب في ٩ كانون الأول ١٩٢٩م في بيروت، بحضور ٣٦مندوباً، عن بيروت وزحلة وطرابلس، بعلبك، بكفيا، عكار، دمشق، النبك، يبرود، حلب، حمص.
وقد طالب المؤتمرون بتأليف حكومة عمالية فلاحية، ومصادرة اراضي الإقطاعيين.وشددوا على مهمة النضال في سبيل الاستقلال الوطني.
وفي نيسان ١٩٣٠ورغم السرية الصارمة عقد الكونفراس الوطني الثاني للحزب
وتميزت الفترة/١٩٣٣-١٩٣٥/بنهوض عارم للحركة الإضرابية في سورية. فقد رصد أكثر من ٤٥ إضرابا.شارك فيها أكثر من خمسون ألف عامل من مختلف القطاعات،
.. خلال هذه الفترة الدقيقة من تاريخ التأسيس. حاول الحزب التوفيق في سياسته مابين الداخل والخارج.في الداخل سياسة وطنية طبقية ومطلبية.ومطالبة بجلاء المحتل الفرنسي.اما عن سياسة الخارج وتطبيقا لتكتيك الجبهة الشعبية الموحدة المعادية للإمبريالية.شكل الشيوعيون لجاناً فلاحية وعمالية لمكافحةالفاشية والصهيونية.
واقام الحزب علاقات أخوية مع الحزب الشيوعي الفرنسي.واثمر هذا التعاون في ضغط الشيوعي الفرنسي على الحكومة الفرنسية لتوقيع معاهدة ١٩٣٦م .هذا الإنجاز جاء بعد الإضراب الخمسيني.والذي حقق فيه السوريون إعادة جزئية للحياة الدستورية.
فازت الكتلة الوطنية عام١٩٣٦م وعاد نشاط الحزب لوجه العلني الواسع.وأسست جريدة صوت الشعب ويعود فضل التأسيس للرفيق فؤاد الشمالي.وهناك وكما اعتقد وثيقة /عدد من الجريدة/ تشير لذلك ،
كما أصدر الحزب مجلة (الطليعة) الرائدة في نشر الفكر الماركسي اللينيني.وتحولت الطليعة لمنبر المثقفين والتقدميين.
ايضا أصدر الحزب مجلة الطريق عام ١٩٤١،
تميزت فترة الثلاثينات بتعرض أعضاء الحزب لملاحقات قاسية واعتقالات طالت قادة الحزب.فتم عام ١٩٣٩ منع الحزب الشيوعي في سورية ولبنان وتم حظر لجنة مكافحة الفاشية التي يقودها الحزب.واصبحت جريدة صوت الشعب سرية.
وللعلم تم انتخاب القائد الشيوعي المعروف خالد بكداش أمينا للحزب عام ١٩٣٧م. الذي ترجم البيان الشيوعي.ولعب الرفيق خالد بكداش دورا تاريخا ريادياً وهاماً في الحياة السياسية في سورية.
وفي المؤتمر الثاني للحزب الذي عقد عام ١٩٤٤م.تم انتخاب الشهيد فرج الله الحلو اميناً عاما للحزب الشيوعي اللبناني.
لكن الرفيق خالد بكداش بقي أمينا عاما للحزبين مع لجنة مركزية واحدة.
أهمّ اعضائها.فرج الله الحلو..نقولا الشاوي..رشاد عيسى.. مصطفى العريس..يوسف خطار الحلو..عبد القادر اسماعيل،
في المؤتمر الثاني للحزب قدم الشهيد فرج الله الحلو تقريراً تنظيماً.ومشروعاً للنظام الداخلي.واتخذ قرارا بإنشاء حزب شيوعي مستقل في كل من سورية ولبنان.على أن يستمر التعاون بين الحزبين ،
عاد الحزب للعمل العلني. وعاودت جريدة صوت الشعب بالصور.وتطورت ونشطت الحركة النقابية وبدات بتأسيس النقابات وللعلم تأسس اتحاد نقابات عمال سورية عام ١٩٣٨.
….تابع الحزب نضاله السياسي ومتطلباته على كافة المستويات.فسمي حزب الجلاء.وحزب الخبز
…واستقلت سورية عام ١٩٤٦بعد نضال مرير لا هوادة فيه وللعلم قدم الحزب في معركة البرلمان الضابط الشيوعي طيب شربك .
…استنتاجات…
الفترة الممتدة ماقبل تأسيس الحزب وحتى استقلال سورية.هي من أغنى المراحل النضالية في تاريخ الحزب.
فلم يكن حزباً يستثمر مواقف لتسجيلها.بل لترسيخ الطابع الوطني والطبقي في نضاله.وهنا نؤكد بإنه لا يمكن كتابة تاريخ سورية دون الاستشهاد بنضال هذا الحزب الكفاحي الذي راكم تجارب في الأداء. قياسا لنضالات القوى السياسية الاخرى التي بدأت بالبروز.
ولاشك كان ذلك الاستشفاف المبكر في دعم الثورة السورية الكبرى في عام ١٩٢٥م ورفعها شعار الدين لله والوطن للجميع.
..لقد بنى الحزب سياساته على روىء علمية وموضوعية استقاها من حركة الشارع وتطور الوعي التراكمي لدى أعضائه.
…فلم يبحث عن سياسات لحظية مؤقتة .بل رسخ اساسيات العمل النضالي وركائزه المستقبلية.
هي إطلالة سريعة على حياة هذه القوة السياسية.التي طالما نعتها الاعداء بعدم ضرورتها .وغير صالحة لتربة الوطن.
نعم ترسخت هياكل الحزب التنظيمية.واصبح حزبا سياسيا معروفاً.مهد بنضال أعضاء ه.التربة المتقدمة المؤُسسة لحياة سياسية ناشئة.وفعالية نقابية واسعة تجلت بتأسيس اتحاد نقابات عمال سورية عام 1938م.
ولا يغيب عن بالنا الرفيق النقابي المخضرم ابراهيم بكري.
لقد استحق الحزب تسمية حزب الجلاء ولم تأتي التسمية من فراغ وعبث.بل استحقها من ساحات الاعتصام والتظاهر السلمي والنضال.حيث نالت سورية استقلالها عام 1946م.