تقرير المكتب السياسي المقدم لاجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد حول المستجدات السياسية (نيسان 2022)

أولاً- في الوضع الدولي:

أيها الرفاق؛

لقد عاد شبح الفزع والخوف ليهدّد البشرية بأسرها، وتسبّبت السياسات العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى، بوضع العالم على حافة الهاوية.

1- مقومات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا

سياسياً- بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، دأبت الولايات المتحدة الأمريكية على منع ظهور أي عائق أمام تسيّدها لمسرح السياسة العالمي، وذلك عبر العودة إلى (مبدأ مونرو) سيّئ الصيت، الذي يتلخص بجملة واحدة: (تحطيم كلّ قوة تحاول تقليص نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها)، ووضعت مخططاتها لـ(تطويع) الممانعين لسياساتها العدوانية في آسيا وإفريقيا وأوربا، وبالطبع كان للشرق الأوسط نصيبٌ وافر من هذه المخططات، بدأت من مهزلة اتهام العراق بحيازة (النووي) في مشهدٍ أقرب إلى السخرية (زجاجة كولن باول)، ولم تنتهِ بتحريض الإرهابيين الفاشيين ودعمهم، لغزو سورية وتقسيمها وضرب الممانعة العربية، ليُتاح للكيان الصهيوني استباحة الشرق الأوسط برمّته، وعند فشل مخططها، بفضل تضحيات الشعب السوري وجيشه الباسل وحليفه روسيا، عملت على عرقلة أيّ جهد دولي لحل الأزمة عبر الطرق السياسية.

أما في أوربا فكان الخطر الرئيسي على وحدانية القطب الأمريكي هو التقارب والعلاقة الودية المبنية على تبادل المنافع والمصالح بين الدول الأوربية وروسيا، إذ لا مبرّر، بعد ذلك لا للأحلاف العسكرية، ولا لموازنات دفاعية، ولا لفواتير مليارية لمصانع الأسلحة الاستراتيجية في أمريكا، ولا استقطاب لتريليونات الدولارات في السندات الأمريكية.

ولم يكن الأمر مغايراً في آسيا، إذ سعت الولايات المتحدة إلى تحويل كوريا الجنوبية إلى ترسانة سلاح، وأوعزت إلى حلفائها بتوتير الأوضاع حول (بحر الصين)، ودعمت المنشقّين في (هونغ كونغ)، وتابعت توريد السلاح إلى (تايوان)، بهدف التصعيد مع جمهورية الصين وكوريا الديمقراطية.

لقد أصبح واضحاً لدى الجميع أن السياسة الأمريكية على الصعيد الدولي تسعى إلى تصنيع (بعبع) متنقل لإثارة فزع دول العالم، فهذا (البعبع) هو روسيا في أوربا.. وهو الصين في آسيا، وهو إيران في المنطقة العربية والخليج، وهذا ما يسمح للولايات المتحدة بالتدخل.. وفرض إرادتها، بذريعة دعم الحلفاء والأصدقاء.

اقتصادياً- بات معلوماً لدى الجميع انحسار الصبغة الأمريكية عن الاقتصاد العالمي، منذ تحول الدول النامية الكبرى إلى أقطاب اقتصادية ماردة، تسيطر على نحو ثلث الاقتصاد العالمي، وهذا ما هدّد لا وحدانية قيادة الاقتصاد العالمي فحسب، بل هدد الاقتصاد الأمريكي ذاته، فمع صعود الليبرالية الاقتصادية الجديدة وتصاعد دور المصارف الكبرى وأسواق المال، وتراجع الاقتصاد الحقيقي القائم على الصناعة والزراعة في الولايات المتحدة، وسعي الرساميل الأمريكية إلى إنشاء العناقيد الإنتاجية في الدول الآسيوية بحثاً عن تخفيض تكاليف الإنتاج والقرب من الأسواق الكبرى، أصبحت الولايات المتحدة ذاتها سوقاً لواردات التجمعات الاقتصادية الإقليمية ومن الصين بالدرجة الأولى. إن زعامة أمريكا لاقتصاد العالم مهدّدة بنمو أقطاب وتجمعات اقتصادية عالمية. أما دولارها الذي فقد تغطيته الذهبية، فيهدّد تحكّمَه بالتبادل التجاري العالمي، لجوءُ العديد من الاقتصادات العالمية إلى الاستغناء عنه بعلاقات تجارية، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية الدورية التي يشهدها الاقتصاد الأمريكي، وكان آخرها الانهيار الكبير في خريف 2008.

 

2- سيناريو التصعيد الأمريكي-الغربي:

لقد عملت الولايات المتحدة على تغذية النازية الجديدة في أوكرانيا، وساهمت بشكل فعلي وميداني في تغيير القيادة السياسية عبر (انتفاضات برتقالية)، مدركة حساسية هذه المسألة تجاه روسيا بعد انضمام دول أوربا الشرقية إلى الاتحاد الأوربي و(الناتو)، كذلك شجعت القيادة الأوكرانية بزعامة (زيلينسكي) على التمادي في اضطهاد المواطنين من أصل روسي في الدونباس ولوغانتسك، وأخيراً السعي لضم أوكرانيا إلى حلف (الناتو)،لإكمال الحصار الأمريكي لروسيا، كذلك لجأت الولايات المتحدة إلى خطوات استباقية، إذ بدأت بـ(شيطنة) روسيا والصين بذرائع واهية، كالتأثير على أسواق النفط والغاز، واختراق أوربا عبر خط السيل، ودعم اليوان وإغراق الولايات المتحدة وأوربا بالصادرات الصينية (المدعومة)، وبدأت بفرض بعض القيود على الشركات الروسية، وإنهاء عقود التوريد، وحظر بعض المنتجات الروسية، ووضعت العراقيل لإيقاف توريد الغاز إلى أوربا.

لقد حاولت روسيا قبل عمليتها العسكرية في أوكرانيا حل الخلاف بينهما عبر الطرق السياسية، ومن خلال قمتين افتراضيتين بين بوتين وبايدن، ومحادثات الرئيس الروسي مع الزعماء الأوربيين، ووضعت الحكومة الروسية عدة اقتراحات لتلافي التصعيد العسكري، لكن محاولاتها قوبلت مرّات بالرفض، ومرّاتٍ بالتجاهل، في الوقت الذي كانت القيادة الأوكرانية فيه تصعّد من نزعتها العدوانية تجاه جمهوريتي الدونباس ولوغانتسك، وظهر جلياً أن المطلوب أمريكياً تطويق روسيا بأسلحة الدمار الشامل، وتحجيم دورها السياسي والاقتصادي في أوربا والشرق الأوسط وإفريقيا، وتهديد أمنها واستقرارها، تمهيداً لتوجيه تهديدات أخرى للصين، وذلك للجم أي محاولة لزعزعة وحدانية القطب الأمريكي في الهيمنة على السياسة والاقتصاد الدوليين.

 

3- موقف الحزب من العملية العسكرية:

أيها الرفاق؛

لقد شكّلت مخططات وإجراءات أمريكا وحلفائها في أوربا تهديداً ليس لمصالح روسيا فحسب، بل تُعد بجميع المقاييس السياسية عدواناً مبيّتاً على أمن روسيا والمواطنين الروس، وكان المطلوب أن تدافع روسيا عن وجودها في مواجهة عدوانية أمريكا وحلفائها.

ورغم أننا في الحزب الشيوعي السوري الموحد نعارض أي تدخل في شؤون الدول المستقلة واللجوء إلى استخدام القوة في النزاعات بين الدول، لكننا أخذنا بالحسبان حزمة من المؤيدات لموقفنا في هذه المسألة، الذي أوضحناه في تصريح الناطق الرسمي باسم الحزب، ومنها:

1 -أن العدوان ليس مقتصراً على التدخلات العسكرية والحروب.

2-أن عدوانية الإمبريالية الأمريكية ومحاولاتها جرّ البشرية إلى الكوارث والحروب والأزمات يجب أن تُلجَم.

3-وحدانية القطب الأمريكي أصبحت اليوم من الماضي، والعلاقات دولية القائمة على احترام سيادة جميع دول العالم ستكون من أهم مخرجات العملية العسكرية الروسية، وربما تمهّد بعدها لِعالمٍ متعدّد الأقطاب.

4-إن روسيا حليف وطننا الرئيسي، ومدّت يد العون والمساندة لبلادنا في أحلك الظروف، وتمكّن شعبنا وجيشنا، بالاستناد إلى دعمها، من دحر الغزو الإرهابي الفاشي، واستعادة معظم الأراضي السورية.

5-إن الحزب الشيوعي الروسي، والعديد من الأحزاب الشيوعية في العالم، وقفت إلى جانب العملية الروسية، باعتبارها مواجهة لعدوانية مبيّتة تستهدف أمن روسيا واستقرارها، رغم معارضة الشيوعيين في روسيا لسياسات الحكومة الروسية الاقتصادية والاجتماعية.

لقد كان موقف حزبنا من العملية العسكرية الروسية ملبّياً لمجمل مواقفنا الفكرية والسياسية والاقتصادية والوطنية، ولم نرفع فيه مستوى التوقعات، بل أوضحنا أن أوان الخلاص من وحدانية القطب الأمريكي قد حان.

 

أيها الرفاق؛

الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون فتحوا خزائنهم المالية وترساناتهم العسكرية لدعم النظام النازي الجديد في أوكرانيا، ويعرقلون الجهود التي تُبذل لإيقاف العمليات العسكرية وتحييد أوكرانيا، والاعتراف بجمهوريتي الدونباس ولوغانتسك. إنهم يعملون على استمرار الحرب بهدف استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً.

في 9/4/2022 وأثناء زيارة رئيسة المفوضية الأوربية إلى أوكرانيا، صرّح جوزيف بوريل (مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوربي): (أتمنى أن تنتهي هذه المسألة بالحرب.. لا بالسلم)!

لقد فُرضت أقسى عقوبات في تاريخ العلاقات بين الدول على روسيا، وبالمقابل تتدفق شحنات الأسلحة على أوكرانيا من المخازن العسكرية الأمريكية والأوربية، وسماسرة المنظمات الإرهابية أتاهم الضوء الأخضر من الأمريكيين ببدء (الجهاد) على الأراضي الأوكرانية لمواجهة روسيا، والإعلام الأمريكي المدجّج بمئات المحللين المنافقين يوالي قصفه الإعلامي، وما جرى في سورية من فبركات إعلامية مصوّرة مسرحياً يجري مثيلٌ له اليوم في أوكرانيا.

ولاشكّ أن إطالة أمد العملية العسكرية الروسية لا يصبّ في مصلحة الدولة الروسية، رغم أن الحكومة الروسية استطاعت التخفيف إلى درجة كبيرة من آثار العقوبات، وتابعت الوفاء بديونها المستحقة، كما واصلت تصدير النفط والغاز لكن بالعملة الروسية (الروبل)، وامتصّت الصدمة الأولى لفرض العقوبات، وتعود المؤشرات الاقتصادية إلى وضعها الطبيعي شيئاً فشيئاً، وأبدت الصين والهند رغبتهما باستيراد النفط والغاز باليوان والروبية، كما اتفقت مجموعة (بريكس) على تبادل السلع بعملتها الوطنية، ووضعت نظاماً مصرفياً خاصاً لذلك.

لقد أدّت العقوبات إلى ارتفاع نسب التضخم في الولايات المتحدة وأوربا ودول العالم بأسره، وتعاني الشركات الأوربية نقصاً حاداً في مستلزمات الإنتاج، وأفلست العديد من الشركات في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، واضطر بايدن لسحب مليون برميل نفط يومياً من الاحتياطي الاستراتيجي لوقف ارتفاع أسعار الوقود في أمريكا، كما سعى إلى تجنيد فنزويلا والسعودية في حملته المعادية لروسيا، فقد طلب من كلٍّ منهما ضخّ المزيد من النفط إلى أوربا، لكنه لم يلقَ منهما الاستجابة التي يريد.

 

 

4- تداعيات العملية العسكرية الروسية على الأزمة السورية:

من الطبيعي أن تتأثر المسألة السورية بتداعيات العملية العسكرية الروسية، إذ تلعب روسيا دوراً محورياً في جميع الجهود التي تبذل لحل الأزمة السورية عبر الطرق السلمية، ولم يلاحظ حتى اليوم تخفيضٌ للوجود العسكري الروسي، لكننا نتوقع جموداً في استئناف الجهود الروسية سواء في منصة (أستانا) أو في لقاءات (جنيف)، كما نتوقع أن تلقي تداعيات ما يجري بظلالها على مجمل الجهود السلمية لحل الأزمة السورية، ونعتقد أن نجاح روسيا في الوصول إلى مسعاها بتحييد أوكرانيا، سيعطي زخماً لجهودها المبذولة في المسألة السورية، واستناداً إلى النتائج المحقّقة بعد العملية العسكرية، لكن الأمريكيين، وفي تناغم مع حملات التهويش ضد روسيا في أوربا، سارعوا إلى دعم حلفائهم في سورية، وأوفدوا مسؤولين كباراً لملاقاة (قسد) و(مسد) والعشائر، وينسقون مع الاحتلال التركي لوقف استهداف (قسد)، بما يوحي بأنهم يمهدون لسيناريو جديد يصب في تشجيع بعض زعماء (قسد) على المضيّ في مخطط التقسيم وتهميش الحوار مع الحكومة السورية، بعدما كانت روسيا قد شجعت (مسد) على البدء به لحل الخلافات بين الطرفين.

كذلك ألغت روسيا دعوة لأطراف معارضة من مسد ومنصتي موسكو والقاهرة وبعض الشخصيات لزيارة موسكو بحثاً عن نقاط الالتقاء والاختلاف مع الحكومة السورية.

حزبنا، كما تعلمون، يؤيد الحل السياسي للأزمة السورية رغم فشل الجهود الدولية التي بُذلت حتى اليوم، سواء في منصة أستانا أو لقاءات جنيف، أو أي اقتراحات بديلة تحقق الثوابت الوطنية السورية، التي تتمثل في خروج القوات الأمريكية والتركية المحتلة، وضمان سيادة البلاد وصونها أرضاً وشعباً، والحفاظ على خيارات الشعب السوري الديمقراطية.

 

5- تداعيات العملية العسكرية الروسية على الاقتصاد السوري:

عانت سورية والمواطنون السوريون من وطأة الحصار والعقوبات التي فرضها التحالف الدولي المعادي لسورية بزعامة الإمبريالية الأمريكية، وشكلت هذه العقوبات عبئاً إضافياً على الحكومة السورية إضافة إلى الأعباء المتمثلة بالخسائر التي تكبدتها البلاد بسبب الغزو الإرهابي، على مدى السنوات العشر الماضية، فتراجعت جميع المؤشرات الاقتصادية وازدادت نسب الفقر والبطالة، وارتفعت إلى حدٍّ مخيف نسبة الهجرة، وخاصة بين أوساط الشباب، وزاد في الأمر سوءاً تسلّطُ فئة من المستوردين والمحتكرين وكبار التجار وأثرياء الحرب والفاسدين وبعض النخب البازغة، على مفاتيح الاقتصاد الوطني، وعملوا على توجيهه بالتعاون مع مراكز القرار شيئاً فشيئاً باتجاه اقتصاد السوق، في مرحلة من أصعب المراحل التي مرت على سورية خلال تاريخها الحديث.

لقد وجدت سورية في المساندة الاقتصادية الروسية والإيرانية والصينية، مخرجاً لأهم المصاعب التي خلقتها الحرب والعقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وخاصة في تأمين المشتقات النفطية والقمح، ومستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي والتجهيزات الصحية.

كذلك اعتمدت سورية على بعض المستوردين لتوريد العديد من السلع والمواد الأساسية ومستلزمات الإنتاج من دول صديقة أو من أي جهة أوربية بهذه الطريقة أو تلك، لذلك أدت العملية العسكرية الروسية إلى تأثيرات سلبية هامة على مجمل الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد.

1- من المعلوم أن بلادنا تستورد القمح من روسيا وأوكرانيا والقرم، وتقدر التوريدات بنحو 2 مليون طن، ومع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية يُخشى توقّف هذه التوريدات أو تأخرها بسبب العقوبات وصعوبات النقل البحري إلى المرافئ السورية، وارتفاع أسعار الشحن وبدلات التأمين، وتعمل الحكومة السورية على تأمين البدائل، فقد سمحت لجميع المستوردين باستيراد القمح من أي مصدر، كما أشيع عن محاولات مع الجانب الهندي لاستيراد 200 ألف طن، ولم يرد بعدُ ما يؤكد نجاح هذه المساعي.

رئيس الوزراء خلال مؤتمر الجبهة الوطنية التقدمية طمأن المواطنين بتأكيده أن الخبز لن يختفي من موائدهم، لكن لا توجد تأكيدات ومؤشرات ملموسة على تخطي مشكلة نقص توريدات القمح.

2-تعتمد سورية على روسيا وإيران في تأمين المازوت والبنزين وبعض المشتقات النفطية الأخرى، بسبب سيطرة الأمريكيين وحلفائهم على حقول النفط السوري، ورغم تأكيدات روسيا أنها مستمرة في تصدير النفط والغاز ولكن بالعملة الروسية، فإن ظروف العملية العسكرية الروسية قد تؤدي إلى تأخير توريد صفقات المازوت والبنزين إلى سورية، وهذا ما جعل الجهات الحكومية تطالب بترشيد استخدام المشتقات النفطية.

3- مؤشرات التجارة الخارجية في سورية تظهر أن واردات البلاد من روسيا عام 2019 بلغت نحو 82 مليار ليرة سورية، ومن أوكرانيا81 مليار ليرة سورية ونعتقد أن قيمة الواردات الروسية قد ارتفعت كثيراً في عامَيْ 2020 و2021 متأثرة بزيادة صادرات روسيا من القمح والمشتقات النفطية ومستلزمات الإنتاج في قطاعي الصناعة والزراعة. أما الواردات من أوكرانيا فتضمّ بعض المستلزمات الصناعية والسلع الغذائية واللحوم.

إن وقف توريد هذه السلع أو التأخر في وصولها إلى سورية سيؤدي إلى إرباك الصناعة السورية في القطاعين العام والخاص، إضافة إلى انعكاسه بشكل مباشر على الأوضاع المعيشية للمواطنين السوريين وخاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة، وهذا ما حصل بمجرد الإعلان عن بدء العملية العسكرية الروسية، فقد ارتفعت بشكل مفاجئ أسعار جميع السلع الغذائية، وواصلت ارتفاعها يومياً دون تدخّل الحكومة ورقابتها، مما أدى إلى زيادة معاناة المواطنين السوريين، وبات تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الغذاء والدواء أمراً يقارب الاستحالة.

 

ثانياً- في الوضع العربي

1- تطورات الأوضاع في الأراضي المحتلة:

صعّد الكيان الصهيوني المحتل من اعتداءاته المتكررة على الشعب الفلسطيني، في سياق نهجه المستمر لقضم مزيد من الأراضي الفلسطينية من أجل متابعة تهويد القدس، والنيل من المقدسات الدينية، فقد قامت قوات الاحتلال بتاريخ 15/4/2022 باقتحام ساحات المسجد الأقصى، وقام باعتداء همجي ضد المواطنين الفلسطينيين، مما أدى إلى استشهاد وجرح العشرات منهم.

إن ما يجري الآن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يشكل مقدمة لانفجار كبير قادم، قد يؤدي إلى انتفاضة شعبية عارمة وشاملة ضد الاحتلال الصهيوني، وقد يلجأ الاحتلال إلى تصدير أزمته بأشكال مختلفة، وبضمنها العدوان العسكري على سورية ولبنان.

إننا نناشد إخوتنا الفلسطينيين ونذكّرهم بأهمية وحدة الصف الفلسطيني لمقاومة الاحتلال، وضرب مخططاته التوسعية.. العدوانية.

وتؤكد اللجنة المركزية تضامن حزبنا الشيوعي السوري الموحد، ومساندته للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل مقاومة العدوان والدفاع عن حقوقه المشروعة.

2- وضع جديد في اليمن:

بعد هدنة استمرت أكثر من سابقاتها، وبعد تغييرات في التوجه السعودي في اليمن تحت ضغط مباشر من الخسائر التي تتكبدها السعودية، فإنها فاجأت الجميع بتخليها عن الرئيس هادي.. ونائبه علي الأحمر، وتشكيل مجلس رئاسي بناء على توجيه أمريكي – بريطاني، مكوّن من 8 أعضاء مناصفة بين الشمال الجنوب، ومنح المجلس منحة مالية مقدارها مليار دولار لشراء المشتقات النفطية ودعم المشاريع التنموية.

إن الأمر الأكثر أهمية اليوم هو وقف نزيف الدم اليمني، وتنفيذ القرار الأممي 2216 حول اليمن، ولجوء جميع الأطراف إلى الحوار بهدف التوافق على إنهاء المأساة اليمنية، وإعادة إعمار ما خربته التدخلات العسكرية الخليجية والمعارك بين أطراف النزاع اليمني، وتجنيب المواطنين اليمنيين مزيداً من أهوال الحرب.

التدخلات السعودية في اليمن لن تتوقف، حسب اعتقادنا، لذلك فإن حوار اليمنيين هو العامل الحاسم في الأمر.

3- إفلاس المصرف المركزي اللبناني:

أعلنت الحكومة اللبنانية إفلاس المصرف المركزي اللبناني، بعد سنتين من الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها لبنان، والتي تسبب بها النظام السياسي الطائفي القائم على المحاصصة السياسية والطائفية، التي أدت إلى ركود الاقتصاد اللبناني وتردّي الأوضاع المعيشية للفئات الفقيرة والمتوسطة، وتراجع سعر الليرة اللبنانية إلى مستوى قياسي، وسيطرة الفاسدين على النظام المصرفي اللبناني. وقد جرت مشاورات تمهيدية بين بعثة صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية، بهدف إعادة تعويم المصرف المركزي عن طريق منحة من الصندوق أو منح أخرى من الدول المانحة، لكن يبدو أن المساعدة المالية للبنان ستكون مشروطة بحزمة من الشروط السياسية والاقتصادية التي تكرس بقاء النظام السياسي الطائفي وتهميش مطالب القوى الوطنية اللبنانية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي اللبناني، وجماهير الشعب اللبناني التي تطالب بإلغاء النظام السياسي المستند إلى تكريس الطائفية السياسية والدينية.

لقد نزل اللبنانيون إلى الشوارع مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن استمرار معاناتهم، والخلاص من الإقطاعية السياسية التي كانت السبب الحقيقي في جميع الاضطرابات السياسية والاقتصادية في لبنان، لكن الأمريكيين والأوربيين يضعون العراقيل بتدخلاتهم المباشرة والمفضوحة لتكريس هذا النظام وترسيخ استمراره، وذلك بتغيير بعض الوجوه.

إن إفلاس لبنان والمصرف المركزي، إضافة إلى تأثيراته على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية وخسارة اللبنانيين لجزء كبير من إيداعاتهم في المصارف، سيمارس تأثيراً محتملاً على الوضع الاقتصادي في سورية، حسب توقعاتنا:

1- خسارة المواطنين السوريين لحساباتهم المصرفية في المصارف اللبنانية، ويقدّرها البعض بين 35-45 مليار دولار، صحيح أن بعض هذه الحسابات تخص الفاسدين وأثرياء الحرب، لكن الكثير منها أيضاً عائد لرجال أعمال سوريين وجدوا في المصارف اللبنانية ملاذاً أمناً من تداعيات الأزمة السورية والغزو الإرهابي، كما أن هذه الأموال كانت ستجد توظيفاً لها في مرحلة إعادة إعمار سورية بعد نجاح الحلول السلمية للأزمة السورية.

2- توقف التبادل التجاري والترانزيت عبر سورية، سيقلص العوائد المالية التي كانت تدخل إلى الخزينة السورية.

3- صعوبة اللجوء إلى السوق اللبناني بعد إفلاس المصرف المركزي لتأمين بعض احتياجات قطاعات الإنتاج السورية.

4- وقف توريد المنتجات اللبنانية إلى الأسواق السورية وتصدير منتجات بعض الصناعات والمحاصيل الزراعية السورية إلى لبنان سيؤدي إلى خسارة المنتجين والتجار السوريين.

5- احتمال لجوء التجار اللبنانيين إلى تأمين القطع الأجنبي عن طريق السوق السوداء السورية مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار القطع الأجنبي في سورية، وما يسببه ذلك من رفع لأسعار جميع السلع المستوردة.. والمنتجة في البلاد، مما سيؤدي في النهاية إلى زيادة معاناة الفئات الفقيرة. وحسب اعتقادنا فإن معالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان ستستغرق زمناً طويلاً، وربما ستؤدي هذه الأوضاع إلى انتفاضات شعبية بعد أن وصلت أوضاع اللبنانيين المعيشية المتردّية إلى مستويات غير مسبوقة.

 

ثالثاً- في الأوضاع الداخلية:

1- الجولة السابعة من جنيف- دون تقدم

لم تسفر الجولة السابعة من لقاءات جنيف التي انعقدت أواخر آذار 2022، عن أيّ نتائج ملموسة، وتتبادل الأطراف الاتهامات حول المسؤولية عن ذلك.

الموفد الأممي اتهم الجانب الحكومي بعرقلة الوصول إلى نتائج إيجابية، بعد أن تركزت مداخلاته حول قضايا إجرائية وغير أساسية في مناقشة مبادئ الدستور المقترح.

قبيل هذه الجولة أشاع بيدرسون إمكانية موافقة الحكومة على سيناريو (الخطوة مقابل خطوة) الذي تم الاتفاق عليه مع الجانبين الروسي والأمريكي، لكن ما جرى في اللقاء أكد مسألة كنّا وما زلنا نؤكدها، وهي أن الوصول إلى نتائج ملموسة تصب في إنهاء الأزمة السورية عبر الحوار، يتطلّب إضافة إلى التمسك بالثوابت الوطنية، توافقاً روسياً أمريكياً بالدرجة الأولى، وتلاقي المصالح بين جميع المتدخلين في الأزمة السورية من جهة ثانية.

لقد ظهر واضحاً أن لقاءات جنيف بوضعها الحالي أصبحت عديمة الجدوى ولا تلبي ضرورة الإسراع في إنهاء الأزمة السورية، ووقف عذابات السوريين.

مازلنا نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد نطالب ببذل جميع الجهود من قبل جميع الأطراف ومنها الجانب الحكومي، للبحث عن توافق يؤدي إلى خروج الاحتلال التركي والأمريكي، وضمان السيادة السورية، ووحدة الأرض والشعب. لكننا في الوقت ذاته نطالب أيضاً باستمرار مواجهة الاحتلال الصهيوني التركي الأمريكي، وتأمين جميع مستلزمات هذه المواجهة، وخاصة ضمان استمرار صمود السوريين وراء جيشهم الوطني.

ونؤكد هنا ما أكدناه مراراً وما أقرّه المؤتمر الثالث عشر لحزبنا، وهو الربط المباشر بين استمرار مواجهة السوريين للاحتلال، والجهود الحكومية بتأمين مستلزمات هذه المواجهة وخاصة تخفيف الأعباء المعيشية عن كاهل الفئات الفقيرة والمتوسطة، والتي وصلت إلى درجة مخيفة تنذر بمخاطر سياسية واجتماعية وإنسانية، قد يستغلها أعداء الشعب السوري بهدف زرع الفتن الطائفية.. والقبلية.. والمناطقية.. والإثنية.. وتهديد كيان الدولة السورية برمّته.

هناك مؤشرات واضحة على سعي حثيث لتغذية مثل هذه الفتن، وما يجري اليوم من تهميش لسلطة الدولة في درعا والسويداء، والتغاضي عن تجاوزات بعض التنظيمات المسلحة التي تروّع الأهالي وتهدّد الاستقرار والأمان في الجنوب لا يصب في تقوية صمود الشعب السوري في مواجهة الاحتلال، ولا يؤدي إلى وحدة السوريين، بل يصب في مصلحة من يسعون إلى إجهاض أي محاولة لجمع أطياف الشعب السوري كافة.

 

2- زيارة الرئيس الأسد إلى دبي:

استأثرت زيارة الرئيس الأسد إلى دبي باهتمام إقليمي وعالمي، اعتبرها بعض المحللين مؤشراً على نهاية عزل سورية، ورآها البعض الآخر خطوة استباقية سورية لتدارك تداعيات العملية العسكرية الروسية، وطرح أفكار جديدة حول سبل إنهاء الأزمة السورية.

واحتل الجانب الاقتصادي أهمية أيضاً، بعد موقف دولة الإمارات العربية المتحدة الداعم لإعادة إعمار سورية، الذي عبرت عنه زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق منذ شهور.

إننا مع أي جهد يهدف إلى فكّ العزلة التي فُرضت على سورية، وأي وسيلة للتخفيف من عبء الحصار والعقوبات المسلّطة على رقاب السوريين، دون المساس بالثوابت الوطنية السورية، التي من ضمنها الاستمرار في رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، والوقوف بحزم إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير.

 

أيها الرفاق؛

إن الظروف الاستثنائية التي تواجهها بلادنا وحزبنا تتطلب منَا العمل بكلّ جدّية وإخلاص من أجل تفعيل دور حزبنا وإبراز مواقفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحل المهام الملقاة على عاتق حزبنا، والتي تتلخص بالمهام التالية:

1- استمرار مواجهة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي للأراضي السورية، بجميع الوسائل وبضمنها المواجهة المسلحة، والعمل على حشد الجهود الوطنية في المنطقة الشرقية لمقاومة الاحتلال الأمريكي ودعم التصدي له.

2- استمرار الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني شامل، يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية، بهدف توحيد جهود الجميع لبناء مستقبل سورية الديمقراطي العلماني.

3- مواصلة اللقاء والتشاور مع جميع القوى السياسية والوطنية وخاصة اليسارية منها، بهدف تكوين طيف وطني واسع وتفعيل مشاركته في الحياة السياسية والاجتماعية، بهدف الدفع لإجراء إصلاحات سياسية وديمقراطية واقتصادية، تطلق طاقات السوريين لبناء سورية المستقبل.

4- متابعة مجريات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتنسيق مع الأحزاب الشيوعية، وخاصة مع الحزب الشيوعي الروسي، لوضع تقييم مشترك لما بعد هذه العملية مستندين إلى أفكارنا المشتركة والأوضاع الدولية الناشئة، ومصلحة المواجهة الدائمة لعدوانية الولايات المتحدة وحلفائها، ومن أجل عالم متعدد الأقطاب.

5- متابعة نضال الحزب من أجل دعم قطاعات الإنتاج في القطاعين العام والخاص، ووقف مسلسل خصخصة شركات ومعامل القطاع العام، واحتفاظ الدولة بملكيتها وإدارتها للمرافق الحكومية.

6- استمرار الحزب بمواقفه المساندة للدعم الحكومي للفئات الفقيرة وتقديم اقتراحات ملموسة للجهات الحكومية لتسهيل حصول المواطن على هذا الدعم.

7- بعد الارتفاع الجنوني لأسعار جميع السلع وغياب جميع أدوات الحكومة وفشلها في إيقافه، الطلب من الحكومة منح جميع العاملين في الدولة والمتقاعدين تعويض غلاء معيشة لا يقل عن 30% من الأجور، بشكل عاجل، وتوسيع دور (السورية للتجارة).

8- استمرار المطالبة بمكافحة الفساد، كبيره قبل صغيره، ومحاسبة المسؤولين المتورطين واسترداد الأموال المنهوبة من خزينة الدولة.

9- زيادة الاهتمام بلجان الحزب خارج البلاد والتنسيق الدائم معها لتطوير مشاركتها ومبادراتها الداعمة لنضال الحزب.

10- تشجيع المبادرات الهادفة إلى الحوار مع ممثلي الشعب الكردي، ورفض الممارسات التي تمارسها (قسد) ضد الدولة والمواطنين العرب في محافظة الحسكة وتطوير مبادرات منظمات حزبنا هناك لتحقيق هذه المهمة.

 

أيها الرفاق؛

إن تنفيذ هذه المهام يتطلب الحفاظ على وحدة الحزب، وتطوير مهامه التنظيمية، والتقرب أكثر فأكثر من الفئات الاجتماعية المختلفة وخاصة الطبقة العاملة، الشباب، والنساء ووضع البرامج التنفيذية الملموسة لذلك، والعمل المتواصل لشرح مواقف الحزب، والمشاركة الفاعلة في لجان الإدارة المحلية وفروع ولجان الجبهة الوطنية التقدمية.

أيها الرفاق؛

لقد تقدم حزبنا إلى الجهات المسؤولة، بتاريخ 20/12/2021، بمذكرة شاملة تضمنت اقتراحات ملموسة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية حرصاً منا على وضع أولويات تأخذ بالحسبان الوضع الحالي للبلاد، وتأثيرات الحصار والعقوبات وطالبنا بتفعيل عمل الحكومة لتخفيف الأعباء المعيشية عن كاهل الفئات الفقيرة ونرى أن تُدرَس هذه المذكرة في اجتماعات منظمات الحزب، وأن تكون مرجعاً لحوارنا مع أصدقائنا والقوى السياسية الأخرى، وكذلك الرجوع إليها حتى في تغريداتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد نشرنا هذه المذكرة في(الحقيبة الإلكترونية) وعلى موقع جريدة (النور)- العدد 992، تاريخ 12/1/2022.

كذلك تلعب افتتاحيات الجريدة دوراً هاماً في توضيح مواقف الحزب في أهم المسائل السياسية والاقتصادية، ونرى أهمية نشر هذه المواقف بين أوساط أصدقاء الحزب، والقوى السياسية الأخرى وضرورة التقيد بها حتى في ما نكتبه على صفحاتنا الشخصية في الفيس بوك، وتعليقاتنا على صفحات الآخرين.

إلى مزيد من النضال والعمل لتفعيل دور الحزب في خدمة المصالح العليا للوطن.. والشعب!

المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري

آخر الأخبار