التقرير الاقتصادي والاجتماعي المقدم لاجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد (نيسان 2022)

التحدث عن الوضع الاقتصادي والمعيشي في سورية هو كالتحدث عن فوضى فرضتها ظروف الحرب واستغلها الكثيرون، وركب موجتها آخرون، وتذرّع بها من بيده القرار تحت غطاء العقوبات والصعوبات بحيث لن تستطيع أن تقيّم الوضع الاقتصادي وفق مؤشرات متعارف عليها.

هذا لا يعني تجاهل كمّ الإيجابيات، وكم الاجتماعات، والجهود، للحفاظ على الدولة قائمة محافظةً على بعض التزاماتها الكثيرة تجاه المواطن، ولكنها لم تقدر أن تنقله نقلة نحو الأفضل بحيث تنقذ كرامته كإنسان، فالوضع المعيشي للغالبية من الشعب السوري ازداد سوءاً، إضافة إلى ما تحمّله خلال سنوات حرب طويلة، وذلك لأسباب مختلفة بعضها غير مبرّر.

لن نتحدث عن الوضع المعيشي الخانق وتداعياته المختلفة على كل الأصعدة، الاقتصادية منها والاجتماعية، التي تحدثنا عنها سابقاً، وخاصة أننا الآن نقف بوضع المتلقي لانعكاسات وصعوبات جديدة ليس لنا قرار فيها، فنحن سنتحمل المزيد من الضغوط المختلفة كتداعيات لما أحدثته الحرب الأوكرانية، وما دفع باتجاه المزيد من الضغط نتيجة الموقف السوري المتضامن مع روسيا الاتحادية من جهة، ومن جهة أخرى ضغط ارتفاع تكاليف تأمين المادة وتأمين نقلها الآمن لأغلب الاحتياجات الضرورية داخلياً.

في الواقع الآثار الحقيقية للحرب الأوكرانية على الغذاء لم تظهر بعد، وهي ستؤثر على العالم كله، لأن روسيا وأوكرانيا تصدّران تقريباً 1/3 الكمية المصدرة عالمياً من القمح مثلاً، وما حدث سيجلب الجوع على دول كثيرة تعتمد على استيراد القمح منهما.

يسأل الجميع ماذا نفعل في ظل المتغيرات غير واضحة المعالم والمتداخلة إلى الحد الذي غير واضح فيه من صاحب القرار، وكيف ستكون تداعياته علينا؟ ونحن نرزح تحت ضغوط معيشية تفشل اللغة على إعجازها أن ترسم ملامح الواقع الحقيقي للبؤس والذل لتأمين الحد الأقل من الأدنى للمعيشة، فكل منا يحس بأنه منتهك حتى العظم، فالدخل تلاشى في زحمة ما يجري من ارتفاع جنوني للأسعار منفلت بلا أي رادع، والذي بررته الحكومة بارتفاع أسعار المستوردات وتكاليف النقل نتيجة ارتفاع سعر الدولار، وبعضها لمواد مكونها الاستيرادي منخفض أو غير موجود.

ورغم أن الحكومة حاولت في تصريحاتها أن توصل إلينا بعض الطمأنينة بأن الأمور بخير، فإنها ليست كذلك.

كيف يمكن للدولة أن تصمد وتبني وترعى في ظل اقتصاد غير متوازن‏، وغير واضح الهوية، ما جعله هشّاً تجاه كم التغيرات والضغوط.

ونحن كحزب شيوعي واضح الرؤيا، ملتزم بقضايا وطنه نرى من واجبنا أن نكون شركاء ونقدم رؤيتنا ومقترحاتنا لتكون داعماً ومساعداً، وقد نصيب ونخطئ لعدم المعرفة الكاملة بدقائق الأمور، ولكننا سنعمل وكما كنا دائماً لتقديم ما نراه مساعداً.

  • ففي القطاع الزراعي الذي، رغم ضعفه الآن، نرى ويجب أن يظل أهم قطاع إنتاجي، فهو الرافعة الحقيقية لاقتصادنا الوطني الآن أكثر من أي وقت مضى، وخاصة فيما يخص الغذاء، ويجب على الدولة إيلاؤه المزيد من الاهتمام ووضعه في مقدمة القطاعات التي يجب العمل عليها، ويمكن تلخيص مقترحاتنا بالتقاط التالية:
  1. وضع خطة طوارئ تحدد الأوليات كمحصول ومستلزمات، دون الحديث عن محدودية الموارد المادية والطبيعية.
  2. ربط التخطيط المكاني بالموارد المتاحة بشرية، مائية، مستلزمات … إلخ.
  3. ربط الإنتاج الزراعي بالتصنيع الزراعي المرافق مكانياً.
  4. تأمين ودعم مستلزمات الإنتاج وخاصة المحروقات والأسمدة ومواد المكافحة، ودون التذرع بارتفاع الأسعار العالمي والتشوهات السعرية في السوق.
  5. وضع سياسة سعرية للمحاصيل الاستراتيجية توجد حلاً جاذباً ليسلّم الفلاحون إنتاجهم، إضافة إلى حل التعقيدات المرافقة للتسليم، بما يحقق عائداً صافياً للفلاح يعادل ربع تكاليف الإنتاج على الأقل. وذلك في ظل قرار الحكومة بدعم سعر المنتج النهائي.
  6. حل مشكلة تأمين الأعلاف وسعرها بحيث تقدم لمربي الثروة الحيوانية في أقرب موقع لمكان وجودها، لكسر حلقات الفساد التي ترافق توزيعها، وبأسعار مدعومة كبداية حتى تدور عجلة الإنتاج وتحقق الوفرة، ليتوازن السعر بعد ذلك.
  7. إيجاد آلية مختلفة لا تشكل عبئاً على الفلاحين، تساعد في تبنّي الفلاحين التحول إلى الري الحديث بشكل أسرع، في ظل تفاقم المشكلة المائية.
  8. العمل لاستكمال المشاريع المائية وخاصة في المنطقة الشرقية.
  9. إعادة استصلاح الأراضي في المنطقة الشرقية لتحضيرها لزراعة القمح للموسم المقبل تجنباً للوقوع تحت رحمة السماسرة في المناطق خارج سيطرة الدولة.
  10. معالجة مشكلة الإقراض وإيجاد آلية غير معقدة للضمانات المطلوبة تأخذ بالاعتبار الواقع الذي أفرزته الحرب.
  11. تمكين الفلاحين وتعزيز إمكانياتهم لضمان بقائهم في الأرض، وتعويض المتضررين من مختلف الظواهر الطبيعية والإجراءات غير العادلة لمنح التعويضات، ففي هذا القطاع من يهجر العمل الزراعي لعمل آخر لا يعود إليه.
  12. دراسة أسواق الدول الصديقة لمعرفة احتياجاتها النوعية والكمية لنستطيع أن نوجه صادراتنا إلى هذه الأسواق لنحقق العوائد المطلوبة وتتطور معرفتنا بطلب هذه الأسواق، وليس فقط أن تقبل منتجاتنا كدعم لنا.
  13. دعم المصدّرين النوعي والمثمر.
  • وفي القطاع الصناعي العام والخاص
  1. إعطاء الأولوية في الاستثمارات الحكومية للمنشآت الصناعية المتضررة حسب الأولوية والتي تم حصرها سابقاً، وذلك لإعادة تشغيلها.
  2. إعطاء الأولية في ترخيص المشاريع الاستثمارية للنشاط الصناعي كبدائل للمستوردات.
  3. البحث عن أقنية أقل تكلفة عن طريق الاتفاقيات الاقتصادية مع الدول الصديقة لتأمين مستلزمات الإنتاج والاحتياجات المختلفة، وتوجيه الصناعيين ومساعدتهم لكسر حلقات الفساد المرافقة لعمليات الاستيراد.
  4. تشجيع الصناعيين والمستثمرين على إقامة محطات لإنتاج الكهرباء لتعويض نقص الكهرباء الحاصل بما يدعم عمل المنشآت الصناعية المستمر.
  5. تأمين المشتقات النفطية المتاحة بأسعار حكومية مدروسة تساهم في خفض تكاليف الإنتاج.
  6. البحث عن استثمارات في مجال النفط (استكشاف، حفر، استثمار).
  7. دعم خطوات الشراكة بين القطاع العام والخاص الداخلي والخارجي على أسس مدروسة، ونصوص قانونية واضحة تحفظ حق كل الأطراف.
  8. توجيه وتشجيع القطاع الخاص المنتج والتشارك معه لصناعات جديدة متطورة (كصناعة البرمجيات والأجهزة الدقيقة …الخ).
  9. منح محفزات للصناعات القائمة على المواد الأولية المحلية وخاصة في قطاع الصناعات الزراعية والغذائية وتوطينها في مناطق الإنتاج.
  10. استكمال إعادة تأهيل المرافق والخدمات في المناطق الصناعية المتضررة ما أمكن.
  11. معالجة حقيقية سريعة لإجراءات التعامل مع الديون المتعثرة على الصناعيين، للدفع باتجاه إعادة تشغيل المزيد من المنشآت الصناعية. وعدم ضياع حق الدولة.
  12. مساعدة الحرفيين وورشات العمل الصغيرة من خلال تنظيمها وتزويدها بمستلزمات صمودها من كهرباء ومحروقات بأسعار مدعومة، تخفيض الضرائب والرسوم، والأهم المساعدة في تصريف وبيع إنتاجها.
  • أما في إطار الاستثمار فنرى:
  1. ضرورة الإسراع باستكمال مشروع الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي الذي يتم العمل عليه، والذي يهدف لإحداث تنمية متوازنة ومستدامة، وذلك من خلال الاستثمار الأمثل لمقدرات كل منطقة من النواحي الزراعية والبيئية والصناعية وما يرافقه من بنى تحتية.
  2. تعزيز بناء المناخ الاستثماري من خلال بيئة مستقرة، قانون استثمار محفز، وخارطة حكومية للأولويات الاستثمارية، التي تدفع لتنمية جميع المناطق السورية، وخاصة الأكثر فقراً.
  3. زيادة الاستثمارات في القطاعين العام والخاص، فكل 1% من نسبة النمو المحققة، تتطلب استثمارات تعادل نحو 3.5 % من الناتج المحلي الإجمالي.
  • وفي موضوع الأجور:
  1. إعادة النظر في منظومة الرواتب والأجور بحيث تلبي الحد الأدنى لتكاليف المعيشة.
  • في السياسة المالية والنقدية:
  1. التوجه لزيادة الإيرادات المتأتية من الضرائب المباشرة على الدخل والأرباح والريوع، والحد من الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي تطول محدودي الدخل.
  2. تحريك سعر الفائدة بما يحقق السيطرة على حركة النقود وضبط سعر الصرف.
  3. إعادة النظر في سياسة المصرف المركزي وإجراءاته الهادفة إلى الحد من التداول النقدي بما يتناسب وحاجة الاقتصاد ويساعد في تفعيل منظومة الدفع الإلكترونية.
  • وفي القطاع النفطي

إن الواقع النفطي غير جيد في ظل خروج أغلب آبار النفط المنتجة من سلطة الدولة في المناطق التي تحتلها (قسد) وبإدارة أمريكية، فإذا استعرضنا بعض البيانات المتاحة نجد أن ما يصل إلى الدولة من إنتاج النفط مثلاً لا يتجاوز 18% من الإنتاج الكلي والبالغ 31.4 مليون برميل، و85% منه تأخذه (قسد).

أما ما يخص المشتقات النفطية فإن المصافي السورية تغطي حوالي 70% من الحاجة المحلية من المازوت، وتغطي 90% من احتياجات البنزين تقريباً، أما ما يخص إنتاجنا من الغاز فالصورة مختلفة ذلك أن ما ننتجه من الغاز لا يغطي أكثر من 25% من احتياجاتنا البالغة حوالي 1200 طن في اليوم.

أما ما يخص قطاع الثروة المعدنية، فقد تم إنتاج 1.1 مليون طن فوسفات، ويتم العمل على التوسع في هذا الاستثمار و 73 ألف طن من الطف البركاني، و1.1 من الرمل الكوارتزي، و 286 ألف طن من المواد الرخامية.

وإن العمل في هذا القطاع للمرحلة المقبلة يجب أن ينحو باتجاه أولية تحرير المناطق المنتهكة، تعزيز المخزون الاستراتيجي بالوسائل المتاحة، تكثيف عمليات الاستكشاف والحفر في المناطق الواعدة، ودعم العمالة بما يحقق سرعة الإنجاز، إضافة إلى تفعيل العقود المبرمة الخاصة بالغاز مع شركات الدول الصديقة.

  • في الجانب الاجتماعي:
  1. استثناء مادة الخبز من أي استبعاد لأي فئة اجتماعية.
  2. دعم جميع الخدمات التي يستفيد منها الفقراء أكثر من الأغنياء كالمشافي الحكومية والتعليم.
  3. إنقاذ التعليم الحكومي المتدهور لصالح التعليم الخاص، وذلك من خلال الاهتمام بتأمين الاحتياجات المطلوبة من الكادر التعليمي، وتطوير كفاءة هذا الكادر، وتقويم أدائهم بشكل مستمر.
  4. الإشراف الدقيق على إيصال ما تبقى من الدعم لمستحقيه، ولجم كل فساد في هذه العملية.
  5. بذل الجهود لاكتشاف موارد نفطية جديدة، والعمل لاستعادة الآبار القديمة.
  6. العمل للحد من هجرة الشباب من خلال توفير فرص عمل لائقة لهم. وفتح المجال لهم للمساهمة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
  7. محاربة ومحاسبة الفاسدين وناهبي المال العام من خلال سد الثغرات القانونية. ومتابعة الحكومة للكشف عن قضايا الفساد، واستعادة الأموال ومحاسبة الفاسدين أمام القضاء علناً، وبآلية أسرع تعيد حقوق الدولة المنهوبة.
  8. عقد مؤتمر وطني لكل الفعاليات الاقتصادية الوطنية للتداول حول المعالجات الممكنة للوضع الاقتصادي، وخطة العمل المطلوبة للمساعدة في تصويب المسار الاقتصادي ليكون الرافعة لمعالجة الاختناقات الاقتصادية القائمة، ويدفع باقتصادنا نحو التعافي.

 

هذه هي أهم الاقتراحات التي نرى من المفيد العمل عليها لتخفيف أعباء الحصار والعقوبات الجائرة على الاقتصاد الوطني، وبهدف تحسين الوضع المعيشي للمواطنين.

آخر الأخبار