افتتاحية العدد 1008 من جريدة “النور” | خطوة هامة على درب الخلاص

هكذا هي الحروب: تهدم ما بنته أيدي البشر، وتزهق أرواحهم، وتحوّل مصادر رزقهم وإنتاجهم إلى ركام، وتترك في النفوس آلاماً لا يخفّف منها إلا العملُ الدؤوب من أجل معالجة آثارها المادية والمعنوية، والسعي الحثيث كي تعود البشرية إلى الوضع الآمن.. المستقر، الذي هو في نهاية المطاف أمل البشرية بأسرها، عالم آمن وخالٍ من أسباب النزاعات والحروب، يسمح للإنسان باستخدام طاقاته الخلاقة بهدف سعادة الإنسانية جمعاء وسلامها ورفاهها.

في الأزمة السورية والغزو الإرهابي الفاشي، نزف السوريون وفقدوا الأحباء، والاستقرار والأمن، وحرصت القوى المعادية لبلادنا بزعامة الإمبريالية الأمريكية، مشعلة الحروب والنزاعات في العالم، على تضييق الخناق حتى على الهواء الذي يتنفّسه السوريون، وشهد المواطن السوري أبشع مشاهد القتل والتدمير والحرق والنهب، وسعى بعض المتكسبين من استمرار الحرب وتجارها إلى إطالة أمد هذه الحرب، فزرعوا الفتن بين سكان الحي الواحد، وعملوا على تغذية التعصب القومي والطائفي والمناطقي والإثني.

تعددت آراء السوريين، واختلفت في تفسير ما جرى، وهذا ما يحدث عادة في المنعطفات الكبرى، وهو أيضاً ما دفع البعض إلى الوقوف في مواجهة الدولة، لأسباب تتعلق بالنهج السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، وعبّروا عن مواقفهم بطريقة سلمية دون اللجوء إلى السلاح، أما البعض الآخر فساهم بهذا الشكل أو ذاك في مساندة المنظمات الإرهابية، لأسباب عديدة لا مجال لبحثها الآن.

لقد انتصرت الدولة السورية على الإرهاب، وبذل السوريون تضحيات هائلة، ووقفوا داعمين.. مساندين لجيشهم الوطني الباسل، الذي استطاع بعد مساعدة الحليف الروسي، استعادة معظم المناطق السورية، وبات المطلوب، داخلياً وإقليمياً ودولياً، هو البحثَ عن حلّ سلميّ لإنهاء أزمة السوريين، والخلاص من المآسي التي حولت المواطن السوري إلى باحث عن رغيف خبز، وحبة دواء، وساعة من الدفء، وبانتظار عودة مهجر، ومهاجر، ومغيّب، ومعتقل.

لقد وقف حزبنا الشيوعي السوري الموحّد، منذ بداية الأزمة السورية، مدافعاً عن سيادة سورية ومصالح شعبها، وقدّم العديد من الاقتراحات لقطع الطريق على الفتنة التي سعى إليها أعداء الوطن، وأهم هذه الاقتراحات هو العمل على إصلاح سياسي واقتصادي وديمقراطي، يوحّد كلمة السوريين في مواجهة التدخل الخارجي. وعندما بدأ الغزو الإرهابي، وقف حزبنا مع القوى الوطنية السورية إلى جانب الجيش السوري الباسل في مواجهة الإرهاب الفاشي، والدفاع عن سيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً، وقدّم العديد من الشهداء، لكنه وفي الوقت ذاته طالب بالسعي إلى السير في طريق الحل السلمي لإنهاء الأزمة السورية، والعمل على إنجاح الجهود الدولية الجدّية في هذا الاتجاه، كما طالب حزبنا بتهيئة مناخات تمهد للمصالحة الوطنية الشاملة، وتوحيد جهود السوريين من أجل معالجة تداعيات الأزمة والغزو الإرهابي، والتوافق على مستقبل سورية بعد محنتها الدامية.

لقد صدرت العديد من التشريعات في هذا الإطار، لكن قانون منع التعذيب، ومرسوم العفو الرئاسي، شكّلا مدخلاً هاماً وضرورياً في رأب الصدع الاجتماعي الذي أوجدته الأزمة، وسعى إليه الغزو الإرهابي.

إن المصالحة الوطنية الشاملة، لا مع الدواعش والنصرة وحلفائهما، بل مع جميع السوريين الوطنيين، والذين لم يتورطوا بسفك الدم السوري في الداخل والخارج، تسهّل عملية التوافق على إنهاء الأزمة السورية، وتفتح الآفاق أمام حوار وطني سوري شامل، يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية، يمهّد لإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، ويطلق الطاقات السورية باتجاه مستقبل ديمقراطي علماني يليق بطموحات الشعب السوري وتضحياته.

مرسوم العفو الرئاسي الأخير خطوة في بناء سورية المتجددة، وهو يتطلب مزيداً من الخطوات المتناغمة مع جوهره، كإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، والعمل على توحيد جهود جميع السوريين من أجل مقاومة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي للأرض السورية، ووحدة بلادنا أرضاً وشعباً.

لقد قلنا في الماضي، ونكرّر اليوم:

في النزاع السياسي، لا شيء تحلّه البندقية، ولا يحلّه الحوار..

معاً من أجل حوار وطنيّ شامل!

آخر الأخبار