هذا ما قلناه في مؤتمرنا الثـالث عشر: الصمـود في مواجهـة الإرهاب والاحتـلال والعـدوان وسياسات اقتصادية اجتماعية تحقق مصالح جماهيرنا
لأنه حزب الوطن والشعب، ولأن تاريخه ارتبط بتاريخ سورية المعاصر، كان مؤتمره الثالث عشر منذ أيام محط اهتمام الكثيرين، في الداخل والخارج باستثناء الإعلام الرسمي على غير عادته.
ماذا يقول الحزب الشيوعي السوري الموحد من خلال الوثائق المقدمة إلى مؤتمره؟
كيف حدّد الحزب مواقفه في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة، أضاعت بوصلة العديدين وأخذتهم، سواء بقصد أو دون قصد، باتجاهات متطرفة يميناً ويساراً.
كيف تنعكس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية المضطربة، التي يعدها الحزب العامل الرئيسي لصمود الشعب السوري في مواجهة الإرهاب والعدوان التركي والتدخل الأمريكي، كيف تنعكس على مواقفه السياسية؟
ماذا قدم الحزب في مؤتمره لجماهير الشعب السوري التي عانت خلال سنوات الجمر ما لم يعانه شعب من الشعوب؟ ما هي الحلول التي يراها؟ ومن الضامن لتحقيقها على الأرض؟
وأسئلة أخرى تتعلق بجميع مناحي الحياة الثقافية والفكرية والتربوية في هذه المرحلة الاستثنائية.
بداية، ليست هذه هي المرة الأولى التي يجد فيها الحزب نفسه مطالباً بالإجابة عن تساؤلات المواطن السوري، ففي جميع المنعطفات التي واجهت سورية، وفي جميع الأوقات الصعبة التي عاشتها جماهير الشعب السوري، كان للحزب كلمة.. وكان للحزب موقف، لكن ما واجهته بلادنا منذ بداية الأزمة والغزو الإرهابي والتدخل الأمريكي- التحالف مع آل سعود والسطان التركي، وما رافقه من حصار وضغوط اقتصادية هدفت إلى إركاع سورية وإلحاقها بالمخطط الأمريكي- الصهيوني لإنشاء شرق أوسط جديد يحقق مصالح الإمبريالية والكيان الصهيوني، كان هو المنعطف الأخطر. وكان أيضاً التحدي الأكبر، وصار لزاماً على حزبنا الشيوعي السوري الموحد أن يغلّب مصلحة الوطن العليا وهي مواجهة الإرهاب والعدوان، على أي هدف آخر، دون تهميش عوامل الصمود في هذه المواجهة، وفي مقدمتها المسألة الاقتصادية والاجتماعية، بل على العكس تماماً، فقد عبّر منذ البداية عن الربط بين الصمود في الميدان العسكري، والنجاح في تكييف الأوضاع الاقتصادية مع هذا الصمود واستمراره، عبر سياسات اقتصادية واجتماعية تأخذ بالحسبان شراسة الغزو الإرهابي والدعم الذي تلقاه من الحلف الدولي المعادي لسورية، وطول المدة اللازمة للقضاء عليه.
لقد قدمنا الكثير من المقترحات عبر وثائقنا الحزبية خلال السنوات الصعبة عن تركيزنا على المهمة الوطنية الأولى وهي مواجهة الإرهاب ودحره، وطالبنا الحكومات المتعاقبة بأن تتحول إلى (حكومات حرب) توازن بين المقدرات السورية المختلفة، والمستلزمات الرئيسية لاستمرار القطاعات المنتجة من جانب، والحاجيات الأساسية للمواطن السوري من جانب آخر، وقدمنا اقتراحات ملموسة أيضاً عبر جريدة (النور) وغيرها هدفت إلى تكييف اقتصادنا مع ظروف المواجهة والصمود، وتوجهنا بانتقادنا البنّاء للعديد من المظاهر والقرارات الحكومية التي رأيناها لا تصب في هذا الاتجاه وتتجاهل أوضاع المواطنين المعيشية، في الوقت الذي تحابي فيه فئات أخرى مقتدرة ثرية، وتلتزم الصمت تجاه فئة من مقتنصي الفرص وتجار الأزمة والحروب والفاسدين الذين امتدت شباكهم إلى مفاصل رئيسية في الحياة الاقتصادية.
مَن توقع بأن حزبنا سيغير مواقفه الوطنية الثابتة بضغط من معارضته للسياسات الاقتصادية، كان واهماً، وهذا ما أكدته مداخلات أعضاء المؤتمر الثالث عشر لحزبنا الشيوعي السوري الموحد الذي لم ينجرّوا ولن ينجروا إلى مواقف متطرفة تسيء إلى سمو المسعى الرئيسي الذي يناضل الحزب في سبيله، وهو مواجهة الإرهاب والعدوان والاحتلال وتحرير الأرض السوري، لا لأنه معادٍ للتطرف فحسب، بل لأنه حزب وطني.. وطبقي.. وأممي وإنساني في آن معاً.
الصمود ثم الصمود في مواجهة الإرهاب والاحتلال والعدوان.. لا مناطق آمنة لمحتل في أي شبر من الأرض السورية.. وحدة بلادنا أرضاً وشعباً.. الدعم كل الدعم لجيشنا الوطني الباسل.. هذه كانت المهام الوطنية الرئيسية التي وُضعت أمام أعضاء المؤتمر، وكان التأييد شاملاً وكاملاً في مداخلات الأعضاء، فمن دون الحفاظ على سيادة سورية ووحدتها، لا معنى لأي سياسات اقتصادية واجتماعية، ولا معنى لأي موقف منها، وكانت جميع مداخلات المندوبين تصب في هذا الاتجاه، وتعلن تأييدها لمواقف الحزب الوطنية المتمثلة في الصمود واستمرار مواجهة الإرهاب لصد العدوان التركي الفاحش والوجود الأمريكي، واستعادة كل شبر من الأرض السورية.
أما في الشأن الاقتصادي، وانعكاسه على الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمواطنين، وخاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة، لاسيما بعد الارتفاع القفزي لسعر الدولار مقابل الليرة السورية، وقصور المعالجات الحكومية في لجم المتحكمين بالأسواق، والمضاربين في السوق السوداء، وشبكات الفساد التي استشرت أفقياً وعمودياً، فقد أكد أعضاء المؤتمر الثالث عشر صوابية مواقف الحزب، بضرورة الربط بين المواجهة والصمود، وما يتطلبه ذلك من سياسات اقتصادية واجتماعية تحقق مصالح جماهير الشعب السوري، الداعم الرئيسي لهذا الصمود، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا، وتراجع قدراتها المالية وضعف أدواتها الاقتصادية، فليس المطلوب في هذه الظروف امتلاء الأسواق بالسلع الضرورية والكمالية وبأسعار خارجة عن رقابة الحكومة، بل الحرص على وجود السلع الأساسية للمواطن وبأسعار تناسب قدراته الشرائية المتواضعة، وتوفير احتياطي القطع الأجنبي ودعم المنتجين الوطنيين، وخاصة الصناعيين والحرفيين وأصحاب الورش الصغيرة والمتوسطة، وتناولت المداخلات في المؤتمر أهمية الإسراع في عودة المهجرين إلى بيوتهم في المناطق الآمنة، ومساعدة المتضررين من الغزو والعدوان، ووضع تشريعات مناسبة تكرم الشهداء وتحرص على حياة كريمة لذويهم وتطبيق بنود الدستور فيما يتعلق بالمعالجات الأمنية والحفاظ على المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة، وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي والصحي لعوائلهم، ومساعدة المزارعين السوريين ولو أدى الأمر إلى تحمل الحكومة نفقات دعم المازوت والسماد اللازم لمزارعي المحاصيل الاستراتيجية.
الحديث يطول ويطول، لكن نبض المواطن السوري وطموحاته المشروعة إلى الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية المادية لكل أشكال الهيمنة والساعية إلى تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة كان حاضراً في جميع مداولات ومداخلات أعضاء المؤتمر.
لقد أقرت الوثائق بعد أن أدخلت عليها ملاحظات واقتراحات المندوبين، ووضعت أمام أعضاء الحزب وتم انتخاب هيئات الحزب القيادية في أجواء ديمقراطية.
الملحّ اليوم هو النضال من أجل تنفيذ توصيات وقرارات المؤتمر، ونحن متفائلون رغم جميع المظاهر والمؤشرات التي تدفع كثيرين إلى التشاؤم.. لأننا شيوعيون.