كلمة الرفيق حنين نمر في افتتاح المؤتمر 13: عاش صمود شعبنا وجيشنا في صد العدوان التركي

ألقى الرفيق حنين نمر الأمين العام للحزب كلمة الافتتاح للمؤتمر 13 للحزب الشيوعي السوري هذا نصها:

أيها الضيوفُ الكرام..

أيها الرفاق أيتها الرفيقات أعضاء المؤتمر..

باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد، أرحّبُ بكم أجملَ ترحيب، وأشكر حضوركم افتتاح مؤتمرنا الثالث عشر، الذي يُعقد في ذروة احتفالنا بالذكرى الخامسة والتسعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري، حزب الوطن، حزب الشعب، الحزب الذي ارتبط تاريخه ونضاله الدؤوب، من أجل وطنٍ حرّ وشعبٍ موفور الكرامة، بتاريخ سورية المعاصر. فالمجد لذكرى روّادنا المؤسّسين، ولشهداء الحزب والوطن، وعهداً على الاستمرار، والمضيّ إلى الأمام، من أجل الحفاظ على حرية الوطن، وسيادته، ووحدته أرضاً وشعباً، ومن أجل مستقبل سوري ديمقراطي، عَلماني.

 

أيها الحضور الكريم..

عند افتتاح أعمال مؤتمرنا الثاني عشر، منذ أربع سنوات، تشاركنا وإياكم تأكيداتنا أن سورية، بصمود شعبها وجيشها الباسل وتضحياتهم التي سيذكرها التاريخ، ستهزم الغزاةَ الإرهابيين، المدعومين من تحالفٍ دوليٍّ معادٍ لسورية، بزعامة الإمبريالية الأمريكية، وأنها ستستعيد كلّ شبرٍ من الأرض السورية. وكان هذا التأكيد نابعاً لا من شعورٍ وطني فقط، بل كذلك من مراجعة حركة التاريخ، ودروسه التي برهنت في الماضي، وتبرهن اليوم، أن الشعوب المناضلة ضد الاستعمار والهيمنة، ومن أجل حريتها وسيادة بلادها، ستنتصر رغم أنف المستعمرين والغزاة.

منذ ما يقرب من تسع سنوات تخوض سورية_ أيها الحضور الكريم_ حرباً متعدّدة الأطراف والجبهات، تُعَدّ أخطرَ ما واجهته منذ استقلالها. فقد شنّت عليها القوى الاستعمارية في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بريطانيا وفرنسا وتركيا، حملةً تآمرية واسعة هدفت إلى إعادة رسم خريطة المنطقة، بما يؤمّن إخضاعها لمخطّطاتها ومطامحها الجيوسياسية، فضلاً عن هدفها الثابت في حماية أمن حليفتها إسرائيل، التي كانت المستفيد الأكبر من هذه الحرب، وكان الهدفُ الرئيس لهذه الحملة هو تدمير الدولة السورية بجميع مقوماتها، بسبب مناهضتها لهذه المخططات. وشارك في هذا العدوان، على نحوٍ مباشر وفعّال: قطر والمملكة السعودية ودولٌ خليجية وإقليمية أخرى.

وفي الوقت ذاته، أنابت هذه القوى عنها، في اجتياح الأراضي السورية، جحافلَ مسلّحةً من تنظيماتٍ ومجموعاتٍ (جهادية)، وتكفيرية، من (داعش) و(النصرة) وغيرهما، كانت قد نشأت وترعرعت على أيدي القوى الرجعية السلفية الداخلية والإقليمية، وفي حاضنة الفقر والتخلف الفكري والاجتماعي، وضمّت في صفوفها عشرات الألوف من الإرهابيين الذين نفروا من مختلف بلدان العالم، والذين يحملون أكثر الأفكار ظلامية ووحشية وتخلّفاً، تحت شعارات سلفية تهدف إلى إقامة ما يسمّونه: (الدولة الإسلامية) في سورية والعراق.

وقامت هذه القوى الإرهابية بتدمير الكثير من البنى التحتية للدولة، من طرقاتٍ وجسور وسكك حديدية وآبار ومصافٍ للنفط وصوامع للحبوب، كما هُدِمت مئات الألوف من الأملاك العامة والخاصة، وبضمنها المدارس والمستشفيات ودور العبادة، وسُرقت المصانع وهُرِّبت إلى خارج البلاد، وغير ذلك مما دفع شعبنا الكثير من ماله وعرقه ودمه من أجل بنائها، على مدى عقود وعقود. كما جرى استهداف خطوط الدفاع الوطني في مواجهة العدو الصهيوني، وفضلاً عن ذلك، حُطّمت معالم حضارية وآثارية تاريخية ذات قيمة تراثية عالمية.

وقد جابهت سورية شعباً وجيشاً هذه الحربَ المتعددة القوى والأطراف، بقوّة وبسالة منقطعة النظير، وتمكّنت بصمودها وبالتضحيات الهائلة التي بذلها شعبها الجبّار، وجيشها الوطني، وبالدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي قدّمه لها حلفاؤها المخلصون، وخاصة روسيا وإيران والصين وقوى المقاومة، تمكّنت من دحر هذا العدوان الغاشم، وإسقاط مشروع (الدولة الإسلامية)، وتحرير معظم الأراضي السورية من المجموعات الإرهابية المسلحة، وإعادة سيطرة الدولة السورية على هذه الأراضي.

لقد صمدت سورية_ أيها السادة_ نتيجة لصمود شعبها، ولتوفُّر عاملين رئيسيين، وهما تطور القدرات العسكرية للجيش السوري، ومساندة الأصدقاء الروس على نطاق كان كافياً لصدّ العدوان، وتطهير معظم مناطق البلاد، رغم تشكيك (البعض) من المعارضين المرتبطين بأمريكا والرياض بأهداف المساعدة الروسية، والتهجم على الدور الروسي الداعم، متناسين أنه جاء رداً على التدخل والعدوان على الأراضي السورية، والقصف الصاروخي الأمريكي لدمشق والمناطق الأخرى، وظهر جلياً أن هؤلاء (المعارضين) يريدون من شعبنا رفع الرايات البيضاء أمام الغزو والعدوان الذي شارك فيه مقاتلون من 80 دولة.

لم يفقد شعبنا في مواجهته للغزو الإرهابي والعدوان الخارجي البوصلة، وباستثناء قلة من الذين ارتبطت مصالحهم الدنيئة بالغزو وداعميه، أدرك الشعب السوري وقواه السياسية الوطنية، بحسّهم الوطني، أن الصمودَ، ثم الصمود، رغم المعاناةِ والحصار، هو السبيلُ الوحيد لدحر الإرهابيين، واستعادة السيادة السورية كاملةً غير منقوصة، وإعادة اللُّحمة الوطنية إلى ما كانت عليه من انسجامٍ وتآلف. وقد قام حزبنا بدورٍ هامّ في حشد الصف الوطني في الداخل لمواجهة الإرهابيين، ودعا أعضاءَه ومناصريه إلى المقاومة، وقدّم الشهداء من أعضائه. أما على الصعيد الدولي، فقد لعب حزبنا دوراً فاعلاً في حشد تأييد الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية لصمود سورية وشعبها. فألف تحية لشعبنا السوري الذي فقد الأبناء والآباء، وهُجِّر قسراً، وعانى الصعوبات المعيشية والاجتماعية، لكنّه صمد خلف جيشه الوطني الباسل، وألف تحية لقواتنا المسلحة السورية، أبناء سورية الميامين، الذين لم يبخلوا بدمائهم للدفاع عن كل شبر من الأرض السورية، والوفاء يقتضي منّا هنا الاهتمام أكثر فأكثر بأسر شهداء الوطن وجرحاه من مدنيين وعسكريين، وسنّ التشريعات المناسبة ليعيشوا حياة كريمة تليق بتضحيات من قدّموا أرواحهم فداء للوطن والشعب.

 

أيها الحضور الكريم..

لقد حدّد حزبنا في الماضي موقفه من الأزمة السورية، وأكّدنا أن حلّها لن يكون إلا سلمياً- دون التهاون في المواجهة العسكرية مع المنظمات الإرهابية وحلفائها- وبالاستناد إلى توافق جميع المكونات السياسية الوطنية والاجتماعية والدينية والإثنية، عبر حوارهم الوطني الشامل. إنّ تضحيات شعبنا وجيشنا، واستعادة معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين، قد فتحت الآفاق أمام الجهود الدولية لحلّ الأزمة السورية عبر الطرق السياسية، وكانت لقاءات (أستانا) ومؤتمر (سوتشي) عاملاً أساسياً في تحريك هذه الجهود السلمية، رغم محاولات الإدارة الأمريكية وحلفائها عرقلة أيّ جهدٍ دولي سلمي، وأكد حزبنا، ويؤكد اليوم، أن أيّ حلٍّ سلمي للأزمة السورية ينبغي أن يرتكز على مواصلة مكافحة الإرهابيين، والحفاظ على سيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً، وحق المواطنين السوريين في اختيار دستورهم ونظامهم السياسي وقادتهم دون تدخل خارجي.

إن الحل السياسي للأزمة السورية يواجه عرقلةً وتحدياتٍ عدّة من جانب الإدارة الأمريكية ونظام أردوغان، أبرزُها العدوان التركي الغاشم على الأراضي السورية، والقرصنة الأمريكية بالاستيلاء على منابع النفط السوري. إن أهم ما أظهرته التطورات الأخيرة هو الحرص الأمريكي على بقاء قطعٍ من قواته العسكرية على الأرض السورية وحول منابع النفط السوري، ونعتقد أن لهذا الوجود أهدافاً أمنية لا تقل أهمية عن أهدافه الأخرى، وخاصة تغذية أي ميول انفصالية قد تظهر، أو فتنة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، وتسريب الإرهابيين والسلاح لبقايا المجموعات الإرهابية تحت إشراف أردوغان، إضافة إلى منع أي تقارب سوري عراقي، لذلك_ أيها السيدات والسادة الحضور_ نضع أمام مؤتمرنا هذا مهمة وطنية بامتياز، وهي: مقاومة العدوان التركي الغاشم على الأرض السورية، واستخدام كل الوسائل السياسية والعسكرية لطرد المحتلين الأتراك والأمريكيين، مؤكدين شعار حزبنا: (لا شبر واحداً آمنٌ لمحتلّ على الأرض السورية).

 

أيها الحضور الكريم..

لقد تغيّرت صورة العالم العربي من وضعٍ راكد مستسلم، إلى حراكٍ ساخن، بل متفجّر في بعض الأحيان، ويعد الوضع في العراق ولبنان نموذجاً لبلدان أخرى مع بعض الاختلاف. لقد عجزت الطبقة الحاكمة في لبنان، التي تمثل الإقطاع الطائفي والسياسي، عن حل مسائل مطلبية ملحة، وبرهن ذلك أن النموذج الاقتصادي الريعي يعجز عن حلّ المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للمواطنين، كذلك برهنت الأحداث الجارية في العراق، مدى التخريب الذي مهدت له خطط الأمريكيين زمن الاحتلال، وسعيهم لتمكين القوى الطائفية لمنع وحدة الشعب العراقي، وتهميش مصالحه الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية. لقد بدا واضحاً من خلال انتفاضة الشعبين اللبناني والعراقي أن تجاهل مطالب الفئات الفقيرة والمتوسطة سيؤدي إلى أزمات سياسية قد يستغلها بعض المرتبطين بالخارج لخلق مزيد من الاضطرابات خدمة للمخطط الأمريكي حول (شرق أوسط جديد) السيئ الصيت.

 

أيها السادة الحضور..

لقد اعتبر حزبنا دائماً ولا يزال يعتبر أن الموقف من الصهيونية والقضية الفلسطينية هو البوصلة التي تؤشّر إلى الكثير من المسارات السياسية الأخرى في المنطقة، وتحدِّد، على أساسها، موقفه من القضايا المتعلقة بها. وأن من المهام الأساسية النضالَ مع جميع قوى حركة التحرر الوطني العربية، بصِفتنا جزءاً منها، من أجل تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، واستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني في العودة إلى أرضه وتقرير مصيره عليها، وبناء دولته الوطنية المستقلة وكاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس.

إن نقطة الضعف في الجانب العربي من الصراع هي نجاح الولايات المتحدة وإسرائيل في فصل المسارات العربية عن المسار الفلسطيني خلال المرحلة الماضية، عبر الاتفاقيات المنفردة مع بعض الدول العربية (مصر، ثم الأردن)، وسبق أن فتحت اتفاقيةُ (أوسلو) الطريقَ لمثل هذا الاتجاه، وحالياً لتنشيط محاولات التطبيع مع دول عربية أخرى. كما يساعد الانقسام الفلسطيني الداخلي على هذا الإضعاف بدرجة كبيرة، مما يتطلب مزيداً من بذل الجهد لتوحيد صفوف جبهة المقاومة وخاصة على الصعيد الفلسطيني، وعلى الأخص في الوقت الذي تشدِّد الولايات المتحدة من نشاطها وضغوطها لتكريس الاحتلال الإسرائيلي للقدس والضفة، وفرض تسوية مذلّة على الشعب الفلسطيني بما يسمى (صفقة القرن)، بهدف تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وما تصريحات وزير الخارجية الأمريكي (بومبيو) الأخيرة، بشرعية ضمّ المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني، إلاّ خطوةً في هذا التوجه الأمريكي.

إن محور المقاومة الذي يشمل سورية والمقاومة الفلسطينية والعربية وإيران، يشكّل جبهة المجابهة الأساسية لهذه المشاريع الإمبريالية والصهيونية في المنطقة، ويندرج فيها رفضُ أيّ شكل من أشكال الصفقات المنفردة، والتأكيد على حق هذه الجبهة في استخدام جميع أشكال مقاومة العدو الصهيوني، وبضمنها الكفاح المسلح.

 

أيها السادة الحضور..

إن السمات الأساسية لعالمنا الراهن تحكمها التناقضات التالية:

1 ـ احتدام التناقض بين الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة، وجميع شعوب العالم الطامحة إلى التحرر والتقدم وبناء دولها الوطنية المستقلة ذات السيادة، من جهة أخرى.

2 ـ التناقض بين الأنظمة الرأسمالية من جهة، والجماهير والطبقات الكادحة في بلدانها ذاتها وخاصة الطبقة العاملة من جهة أخرى.

3 ـ التناقض بين المراكز الإمبريالية العالمية وخاصة الأمريكية من جهة، الساعية لاستمرار هيمنتها كقطبٍ وحيد على السياسة والاقتصاد الدوليين، وتجمّعات سياسية واقتصادية إقليمية وعالمية كبرى برزت في مواجهتها: (بريكس_ آسيان)، تعمل لنزع الهيمنة الأحادية نحو عالم متعدد الأقطاب، وتنامي الدور الذي تلعبه الصين وروسيا في هذا الاتجاه، وسعي الرأسمالية العالمية وقلعتها الرئيسية الولايات المتحدة إلى تصدير أزماتها الدورية إلى دول العالم.

فقد استمرت هذه الوحدانية سنوات عديدة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، قبل أن تنهض دول جديدة كبرى، تشارك بقوة في اتجاهات الاقتصاد العالمي، وتلغي شيئاً فشيئاً الهيمنة المطلقة للقطب الأمريكي، وهذا ما يمثّله اليوم تجمع (بريكس)، الذي يضمّ دولاً نامية كبرى، وهي الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وتجمّعات اقتصادية إقليمية كتجمّع (آسيان). لقد ازدادت القدرة الاقتصادية للصين ثالث أكبر الاقتصادات العالمية، وخاصة بعد طرح مبادرتها (الحزام والطريق) التي يمكن أن تشمل أكثر من نصف سكان العالم.

إن الولايات المتحدة تضع نفسها فوق جميع القوانين الدولية، وتنتهك هذه القوانين، وتتدخل في شؤون الدول كافة، وتتآمر على الدول المستقلة، وتحاول فرض إرادتها وهيمنتها عليها، وتعمل على نشر القواعد والأساطيل العسكرية، وعسكرة الفضاء، والحروب الاستباقية، ونشر الفوضى على الصعيد العالمي، والانسحاب من التجمّعات والاتفاقات الدولية للضغط على الحلفاء وبقية دول العالم.

إن النضال من أجل عالم متعدد الأقطاب يمثل اليوم هدفاً مرحلياً لجميع قوى الاشتراكية واليسار والتقدم والسلام في العالم، لكن الهدف النهائي لن يكون إلاّ تقويض النظام الامبريالي القائم على نهب الشعوب وإشعال الحروب وتهديد كل الإنجازات التي صنعتها أيادي البشر.

 

أيها الحضور الكريم..

في الوضع الداخلي، اتخذ الصراع الطبقي في سورية منذ أواسط العقد الماضي شكلاً أكثر حدّة ووضوحاً بين طرفين ونهجين متعارضين في الميدان الاقتصادي والاجتماعي:

الأول- يضم كبار الرأسماليين والطغم المالية ووكلاء الاحتكارات والسماسرة، المرتبطين والمدعومين من البيروقراطيين الحكوميين وكبار الفاسدين في الدولة، الذين دفعوا البلاد نحو انتهاج سياسة ليبرالية في الاقتصاد، وإضعاف دور الدولة القيادي في الاقتصاد، والسعي إلى الخضوع لمتطلبات المنظمات الدولية المشبوهة. وانضمّ إلى كل هؤلاء في السنوات الأخيرة أثرياء الحرب وحيتان المال وشبكات الفساد الذين ترعرعوا خلال الحرب السورية.

الثاني- وتقف فيه الجماهير الشعبية الكادحة بمختلف فئاتها، من عمال وفلاحين وصغار المنتجين الذين يطمحون إلى ضمان مستوى لائق لمعيشتهم، ويعانون اليوم من اتساع الهوة بينهم وبين (حيتان) الأسواق، وتجار الحروب والأزمات، والمتحكّمين بخبزهم ودفئهم ودوائهم وقدراتهم المالية المتواضعة، دون أي تدخل حكومي فاعل لردم هذه الهوة، ويقف حزبنا بحزم مدافعاً عن هذا الطرف في الصراع.

لقد أدت الأزمة واستمرارها إلى تبدُّلٍ واضح في التركيب الطبقي للمجتمع السوري. فنتيجة التدمير والخراب والأعمال العسكرية، وما نجم عنها من قتل وهجرة ونزوح، وما أدت إليه من ارتفاع نسبة البطالة، ازدادت أوضاع مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية في سورية سوءاً، باستثناء تلك القلة القليلة من المحتكرين والفاسدين وتجار الحروب والأزمات. ولم ينحصر ذلك بتراجع وضع الطبقة العاملة والفئات الكادحة الأخرى وتردّي أوضاعها بشكل كبير وحسب، بل بزيادة أعداد الفئات الفقيرة والمحرومة، وانتقال العديد من الفئات المتوسطة إلى مستويات الفئات الأدنى. ذلك أن العديد من الدراسات تشير إلى تراجع كبير في نسبة الفئة (الطبقة) الوسطى في المجتمع السوري، التي تضم كل من يستطيع تلبية حاجاته الأساسية في المجتمع، بسبب خسارة فئات واسعة من هذه الطبقة لأعمالها وممتلكاتها، وانحدار جزء كبير من أفرادها إلى الطبقات الفقيرة أو المهدّدة بالفقر.

لقد لعب تدمير المنشآت الإنتاجية الصناعية والزراعية والخدمية، وعملية النزوح والهجرة من الأرياف والمناطق المدمرة أو غير الآمنة، وفقدان المعيل لدى مئات الآلاف من الأسر، إضافة إلى فقدان مصدر العمل، وتراجع قيمة العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار الفاحش الذي لم يعد يتناسب مع الدخل المتاح للغالبية العظمى من السوريين، لعب ذلك كله دوراً أساسياً في ازدياد حدّة الفقر وتدنّي المستوى المعيشي للمواطنين، وتبدّل الوضع الطبقي للمجتمع السوري، وارتفاع نسبة الفقراء والمحرومين فيه.

وقد كانت متابعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على رأس مهام الحزب خلال الفترة الماضية، سواء من خلال صحيفة (النور)، أو من خلال ممثلي الحزب في مجلس الشعب والحكومة والإدارة المحلية والاتحادات والنقابات والجمعيات الأهلية ووسائل التواصل الاجتماعي. وكان للحزب مواقف صارمة تجاه العديد من القرارات والإجراءات التي أصدرتها الحكومة، أو التي كانت تزمع إصدارها، وبشكل خاص تلك التي تأتي في سياق اتباع النهج الليبرالي الاقتصادي، بذريعة ظروف الحرب والحصار وضعف الموارد وإيصال الدعم إلى مستحقّيه.

لقد استمر الحزب في المطالبة بزيادة الأجور، وبتوسيع قاعدة الدعم، وتَحفّظَ على قانون التشاركية ورفع الأسعار، وتلزيم عدد من المشاريع والشركات بشكل مباشر بعيداً عن الشفافية والعلنية. وكالعادة لم يكن الحزب يكتفي فقط بانتقاد المظاهر السلبية والإجراءات غير المقبولة التي تتعارض مع مصلحة الجماهير الواسعة، بل ظل يتصرف بكامل الشعور بالمسؤولية، من خلال تقديم المقترحات البديلة لما يعارضه أو ينتقده، بغض النظر عن قبول الجهات الحكومية بذلك كلياً أو جزئياً.

نحن ندرك تماماً المصاعب الاقتصادية الناتجة عن الأزمة والغزو والحصار الجائر، لكنّنا ندرك أيضاً أن الحكومات المتعاقبة منذ بداية الأزمة لم تؤدِّ ما عليها من مهامّ اقتصادية واجتماعية، تساعد جماهير الشعب السوري على الصمود في مواجهة الإرهاب والعدوان، بل إنها همّشت مصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة، مما أدى إلى زيادة معاناة جماهير الشعب السوري، وتراجع القيمة الحقيقية لأجور العاملين ، وصعوبة حصول المواطن على حاجياته الأساسية، وكان ذلك بحدّ ذاته انحيازاً للفئات المقتدرة والفئات الثرية (البازغة) والمتحكّمين بقوت المواطن السوري، ودفئه، ودوائه.

وهنا لابد من التأكيد مجدّداً على ما بيّنه الحزب مراراً وتكراراً، من أن عملية (إعادة الإعمار) هي مهمة سورية بالدرجة الأولى، ومن الضروري وجود مسحٍ وطنيّ عامّ لاحتياجات هذه العملية في مختلف المجالات والقطاعات، بمشاركة القوى السياسية والوطنية كافة، والمجتمع الأهلي والخبراء والمختصين الوطنيين، لتحديد أولويات المشاريع ومواقعها، وخاصة في المجالات الزراعية والصناعية والبناء والتشييد، وما يمكن تنفيذه محلياً منها حالياً ومستقبلاً، وماهي احتياجاتنا الخارجية من هذه المشاريع، ومن هي الجهة أو الجهات الأكثر قدرة وكفاءة ورغبة في تنفيذها بأفضل الشروط والمواصفات وبأسرع وقت ممكن. والعمل على منح الأولوية في تنفيذ هذه المشاريع للمستثمرين الوطنيين والأصدقاء، مع التأكيد على الاستفادة من الدروس المستخلصة من الفترة السابقة للأزمة وخلالها، والمتعلقة بتحقيق التنمية العادلة والمتوازنة بين مختلف المدن والمناطق السورية، ومكافحة الفساد، والتشدّد في تطبيق الشفافية والوضوح في تلزيم المشاريع وتنفيذها، سواء في المرحلة الراهنة أو في المرحلة المستقبلية. كما أنه لابد من التأكيد على الدور الأساسي للقطاع العام في عملية إعادة البناء والإعمار، وتولّيه ملكية المرافق السيادية العامة الأساسية في البلاد وإدارتها وتشغيلها، بما يضمن خروجاً سليماً لسورية من هذه الأزمة، وتجنيبها حدوث أية أزمة أخرى في المستقبل، الأمر الذي يتطلب أيضاً وضع خطة حكومية، يشارك في وضعها خبراء الاقتصاد السوريون، وممثلو القطاع الخاص المنتج، تأخذ بالحسبان مبدأ الأولويات، والاعتماد على الذات قدر الإمكان.

ونحن نرى أن من أهم ما يجب فعله الآن هو الاستفادة من الدروس والعِبَر لهذه الأزمة والغزو الإرهابي، واعتماد السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تدعم صمود الشعب السوري، لا تلك التي تهمّش مصالح الفئات الفقيرة والمتوسطة التي تشكّل الداعم الرئيسي لجيشنا الباسل: إننا نؤكد هنا اقتراحَنا الذي طرحناه مراراً، وهو الدعوة إلى مؤتمر وطني اقتصادي يهدف إلى مناقشة الأوضاع الاقتصادية، ووضع الحلول لإنهاض الاقتصاد السوري، ومعالجة الأزمات النقدية، خاصة بعد الارتفاع الكبير بأسعار القطع الأجنبي، وعجز الحكومة عن لجمه، وما ينتج عن هذا الارتفاع من تدهور للأوضاع المعيشية للمواطنين، بمشاركة خبراء الاقتصاد السوريين وممثلي القطاع الخاص المنتج والرساميل الوطنية، وأن تُحال نتائج وتوصيات هذا المؤتمر إلى السلطة التنفيذية للمباشرة بتطبيقها.

لقد لعب الفساد المستشري أفقياً ورأسياً دوراً رئيساً في إجهاض أيّ جهد تبذله الحكومة لتحسين جزئي في أوضاع المواطنين المعيشية والاجتماعية، إضافة إلى دوره في إحباط تفاؤل جماهير الشعب بغدٍ سوريّ يحقّق طموحاتهم السياسية والاجتماعية.

إن غياب التعددية السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، والمجالس التمثيلية المنتخبة بطريقة ديمقراطية، لعقودٍ طويلة، شكّل بيئةً صالحة لنموّ الفساد بأشكاله المختلفة. إن الفساد سواء كان سببه قصور القوانين الرادعة أو تخلّف الإدارة، أو الكسب غير المشروع، أو الضائقة الاقتصادية التي تعانيها الفئات الفقيرة، يعدّ عاملاً كابحاً لأيّ إصلاحٍ سياسيّ أو اقتصادي أو اجتماعي. إن حزبنا يعتبر مكافحة الفساد واجتثاثه معركة طبقية وسياسية واجتماعية وإنسانية في آن واحد.

 

أيها الحضور الكريم..

لقد أكدت وثائق الحزب الصادرة عن مؤتمراته السابقة أن (الديمقراطية في بلادنا هي خيار إنساني وحاجة موضوعية تفرضها ضرورات التطور والتقدم وتعزيز الوحدة الوطنية).

إن ممارسة الديمقراطية تتطلب تطبيق مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، بغضّ النظر عن الانتماء الإثني أو الديني أو الطائفي أو الجنسي أو الحزبي، بالاستناد إلى دستورٍ ديمقراطي عصري، ينصّ على مبدأ سيادة القانون ومساواة المواطنين أمامه، وتكافؤ الفرص، وضمان استقلال القضاء ونزاهته وحياده، ومنع الاعتقال الكيفي والتعذيب، وضمان الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين مثل حرية الرأي والاعتقاد والتعبير، وحق الاجتماع والتظاهر السلمي، والحرص على تطبيق بنود هذا الدستور، وعدم التعدّي على أحكامه.

إن حزبنا يطمح ويسعى إلى دولة مدنية.. ديمقراطية.. تعددية.. علمانية وتقدمية، في توجه نحو المجتمع الاشتراكي.. دولة تقوم على أسس المواطنة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

إننا، من على هذا المنبر.. منبر المؤتمر الثالث عشر لحزبنا الشيوعي السوري الموحد، نطالب بإطلاق سراح معتقلي الرأي، والسجناء السياسيين الذين لم يستخدموا السلاح في محاربة الدولة، وإحالة الموقوفين المتهمين إلى المحاكم، لتهيئة المناخ الملائم للعملية السياسية التي ستجري، بعد أن قارب جيشنا السوري الباسل على وضع نقطة النهاية في المواجهة مع الإرهابيين.

نحن الشيوعيون، أيها السادة الحضور، نسأل دائماً عند الحديث عن الديمقراطية: ديمقراطية مَن؟

هل هي ديمقراطية الأقلية من النخب والمقتدرين والأثرياء والتجار الكبار ووكلاء الشركات والرأسمالية الريعية وكبار الفاسدين وشبكاتهم الممتدة في مفاصل الأجهزة والإدارات؟ أم ديمقراطية الأكثرية الساحقة من السوريات والسوريين الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، من العمال والفلاحين والمنتجين والمثقفين الوطنيين، والنساء الطامحات إلى المساواة بعيداً عن الفتاوى والتشريعات البالية التي تعيق مساهمتهن النشيطة في الدولة والمجتمع؟

نحن مع ديمقراطية الأكثرية، لأنها تمثل اختزالاً لنضالنا الطويل من أجل حرية الوطن، وحقوق المواطن السوري السياسية والدستورية والاجتماعية والإنسانية في آنٍ معاً.

 

أيها السادة..

إن استمرار حالة الانقسام في صفوف الشيوعيين السوريين هو حالة تقلق جميع الشيوعيين والقوى الوطنية والتقدمية، مما يتطلب جهداً أكبر من أجل توحيد الشيوعيين السوريين.

إن حزبنا ينظر إلى وحدة الشيوعيين السوريين على أنها هدف نبيل ومهمة أولية ومطلوبة، وسيعمل من هذا المنطلق على بذل مزيد من الجهود من أجل تحقيقها، لما فيه مصلحة الوطن والشعب.

لقد لعبت الجبهة الوطنية التقدمية منذ تأسيسها عام 1972 دوراً هاماً في توحيد جهود القوى السياسية الوطنية في البلاد، في مواجهة العدو الصهيوني، ومقاومة الضغوط الأمريكية، ومن أجل تقوية محور الصمود، إضافة إلى المشاركة في حلّ بعض المعضلات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ورغم تراجع دورها في العقدين الماضيين، إلا أنها مازالت تمثل تحالفاً واسعاً للقوى السياسية المناهضة للإمبريالية والصهيونية والإرهاب، ويمكن الاعتماد على جهود أحزابها في استمرار الصمود السوري، من أجل الدحر النهائي لبقايا الإرهابيين، والحفاظ على سيادة سورية ووحدتها، وفي تحديد ملامح المستقبل السوري، لذلك نعلن تمسّكنا بتحسين عمل هذه الجبهة، وتفعيل دورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتطوير العلاقة بين أحزابها، والارتقاء في أدائها أكثر فأكثر بعيداً عن الهيمنة وفرض الإرادات، وقد ساهمنا في ذلك كلّه، ووضعنا اقتراحاتنا في هذا المجال، وسنساهم أيضاً وأيضاً في كل ما من شأنه تعزيز دور الجبهة الوطنية التقدمية في حياة بلادنا.

لقد بادرنا، أيها السادة، الحضور بوضع تصوّرنا للمستقبل كما يطمح إليه شعبنا، ووضعنا رؤيتنا للمستقبل السوري على الأصعدة السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية، كما اجتهدنا في وضع اقتراحاتنا للدستور السوري العتيد، ولأننا نطمح إلى مشاركة الآخر في هذه الجهود، نشرنا هذه الرؤى في صحيفة الحزب (النور) بهدف إغنائها بآراء واقتراحات المهتمين، وكان لهذه المبادرة أصداء إيجابية لدى القوى السياسية الوطنية، التي ساهم بعضها أيضاً في وضع اقتراحاته حولها.

لقد دعا حزبنا منذ بداية الأزمة والغزو الإرهابي إلى عقد الحوار الوطني السوري الشامل، بمشاركة ممثلي جميع الأحزاب الوطنية والهيئات الاقتصادية والدينية والإثنية، لدراسة سُبل الخروج من نفق الأزمة ومواجهة الغزو الإرهابي. ونكرّر دعوتنا اليوم إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري، للتوافق على استمرار مكافحة الإرهاب، والحفاظ على سيادة سورية ووحدتها أرضاً وشعباً، ورسم ملامح المستقبل السوري الذي يريده الشيوعيون ديمقراطياً.. عَلمانياً.. تقدّمياً، يعظّم كرامة المواطن السوري.

أخيراً.. سنعمل على أن تكون أعمال المؤتمر الثالث عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد،

الذي ينعقد تحت شعارات: تحرير الأرض_ مكافحة الإرهاب_ حقوق المواطن_ مصالح العمال والفلاحين_ إعادة البناء_ عدالة اجتماعية_ اجتثاث الفساد. سنعمل على أن يكون محطة هامة في مسيرته التاريخية الكفاحية من أجل وطنٍ حرّ.. وشعبٍ موفور الكرامة.

– عاش صمود شعبنا وجيشنا في مواجهة الإرهاب وصد العدوان التركي والاحتلال الأمريكي.

-الرحمة والخلود لشهداء الوطن والحزب، من مدنيين وعسكريين.

– معاً.. كلّنا معاً، من أجل تحرير الأراضي السورية من المحتلين الصهاينة والأتراك والأمريكيين.

-عاش نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني، ورفض الاتفاقيات المنفردة والمشبوهة.

-عاشت الجبهة الوطنية التقدمية وأحزابها، بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد.

-عاشت الذكرى الخامسة والتسعون لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.

– عاشت سورية ذات السيادة.. الموحّدة أرضاً وشعباً. وشكراً لكم!

آخر الأخبار