افتتاحية العدد 1012 من جريدة “النور” | خطر التقسيم.. يتفاقم

في سياق استثمار أردوغان لتداعيات العملية الروسية في أوكرانيا، وما تواجهه أوربا الأطلسية المرتهنة للسياسات الأمريكية المتغطرسة من أخطار تهدد استقرارها، وفي ما يفترضه من (غفلة روسية) عن تحركاته، صعّد السلطان التركي من تهديداته باجتياح الأراضي السورية، بعمق 30 كم على طول الحدود السورية التركية، وذلك لإقامة ما يسمّيه (المنطقة الآمنة)، أولاً تحقيقاً لهدفه الذي كان يتحيّن الفرص ويسعى لتنفيذه منذ استلامه السلطة، وثانياً لـ(حلّ مشكلة اللاجئين السوريين) على حساب سورية والسوريين أنفسهم.

وفي الوقت ذاته، كثّفت الإدارة الأمريكية تحرّكها في المنطقة الشرقية، عبر إرسال الوفود، وتدعيم قواعدها على الأرض السورية، ودفع حلفائها إلى المضيّ في تنفيذ مشروع تقسيم سورية، الذي عملت الإدارات الأمريكية على تحقيقه منذ خمسينيات القرن الماضي، وتعتقد الإدارة الأمريكية اليوم أن خطط تقسيم الشرق الأوسط المناوئ للأطماع الصهيونية إلى كيانات ضعيفة بات جاهزاً للتنفيذ، بعد غزو العراق، ومحاولة غزو سورية عن طريق الإرهابيين واحتلال الأرض السورية، وشيطنة إيران، والحصار الجائر، وسيف العقوبات المسلّط على رقاب من بقي مسانداً لمحور المقاومة.

واهمٌ من يعتقد أن التصعيد الأمريكي- التركي المتزامن والمتناغم، جاء كردّ فعلٍ مؤقت في مواجهة التحرك العسكري الروسي، الذي يهدد وحدانية القطب الأمريكي، ويُنهي تفرّده في قيادة السياسة والاقتصاد العالميين، فهو يمثل جوهر السياسات الأمريكية لفرض الهيمنة عبر إشعال الحروب الإقليمية والتفتيت، لتهيئة المنطقة بأسرها للاجتياح الصهيوني.

ونسأل هنا: هل مازال أحد من الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية السورية يعتقد أن تقسيم البلاد يشكل حلّاً للأزمة السورية؟ هل مازال البعض من حلفاء أمريكا مصرّاً على تجاهل دروس التاريخ؟

السوريون يواجهون اليوم أخطر مرحلة في تاريخهم المعاصر، ويواجهون خطر تفكيك دولتهم الوطنية، وتحوّلها إلى كيانات تسبح في فلك المخطط الأمريكي الصهيوني، الهادف إلى السيطرة المطلقة على الأرض والثروات والتاريخ، وعلى كل ما هو وطني وتقدمي وإنساني، في بقعة كانت ومازالت تشكّل قلب العالم.

مَن يقلل من خطورة هذا المخطط أو يهمّش آثاره، أو يتهاون في مواجهته، لن يكون لديه فرصة للندم أو اختلاق الأعذار.

لقد طالبنا نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد على صفحات (النور) وأيضاً عبر رسائل واقتراحات وجّهت للقيادات السياسية في البلاد، بضرورة بذل أقصى الجهود للحفاظ على السيادة السورية ووحدة البلاد أرضاً وشعباً، وذلك عن طريق جمع كلمة السوريين جميعاً في مؤتمر حوار وطني شامل، يضم جميع القوى السياسية والاجتماعية والاثنية، والتوافق على مواجهة العدوان والتقسيم، والحصار الظالم، والعقوبات، ووضع الحلول للتخفيف من معاناة المواطنين السوريين، الذين يواجهون أقسى الظروف المعيشية التي تضغط على مشاعرهم الوطنية والاجتماعية والإنسانية.

وها نحن أولاء نكرّر اليوم إن نتائج وتبعات أحد عشر عاماً من نزيف الدم السوري، ومواجهة الغزو الإرهابي، والتهجير، والمعاناة المعيشية التي أوصلت ملايين السوريين، في شرق البلاد وغربها وجنوبها وشمالها، إلى مستوى مأساوي من الفقر والعوز، تقتضي أن تواجَه، حسب اعتقادنا، بموقف وطني شامل، لا بتفرّد هذا الطرف أو ذاك أو هذا المكون أو غيره.

إن مقاومة مشاريع التقسيم، التي تتفاقم اليوم مخاطر تنفيذها، وضمان وحدة الأرض والشعب، والتوافق على مستقبل سورية الديمقراطي.. العلماني، إن ذلك كلّه يتطلب حوار الجميع، ووحدة الجميع.

آخر الأخبار