و(النور) تنشر هذه الرؤية.
تواصل سورية اليوم مرحلة تكاد تكون هي الأخطر في تاريخها المعاصر، فإضافة إلى تداعيات محاولة الغزو الإرهابي، والحصار والعقوبات الجائرة التي فرضها التحالف الدولي المعادي لسورية بزعامة الولايات المتحد، تشهد بلادنا محاولات محمومة تقودها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لجر المنطقة بأسرها إلى حرب إقليمية تعيد ترتيب الشرق الأوسط من خلالها وفقاً لمصالحهما المشتركة بالهيمنة على المنطقة من خلال استباحة الكيان الصهيوني ليس للأرض الفلسطينية فقط، بل للمنطقة العربية أيضاً.
إن التداعيات السياسية والعسكرية لهذه المرحلة، ستنعكس أيضاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، ونعتقد نحن في الحزب السوري الشيوعي الموحد، أن أمام الحكومة الجديدة حزمة من الاستحقاقات الضرورية لدعم صمود بلادنا وشعبنا في هذه المرحلة الصعبة والخطيرة.
فإضافة إلى تأمين مستلزمات مواجهة سعي الأمريكيين والصهاينة لتوسيع العدوان وحرب الإبادة باتجاه محور المقاومة، تنهض أمام الحكومة مهمة بذل الجهود لعملية التعافي المبكر، والبدء في إنهاض القطاعات المنتجة في الاقتصاد الوطني، والاستمرار في دعم الفئات الفقيرة، وتخفيف معاناة المواطنين المعيشية.
أولاً ـ في الوضع الاقتصادي:
يعاني الاقتصاد الوطني تداعيات الحصار والعقوبات الجائرة، لكنه أيضاً عانى فشل السياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة لتخفيف عبء الحصار، ولم تعمل الحكومات بجدية لتحفيز قطاعات الإنتاج بشقّيها العام والخاص، رغم تأكيد السيد رئيس الجمهورية أهمية وضع السياسات المشجعة لزيادة وتطوير الإنتاج في القطاعين الرئيسيين المشكّلين لأكثرية اليد العاملة السورية، وهما الزراعة والصناعة.
الزراعة…
ـــــــــــــــــــ
وضعت العديد من الدراسات والخطط لتنشيط القطاع الزراعي، لكنها بقيت حبيسة الأدراج، وعانت الزراعة من فقدان المازوت اللازم لري المساحات المروية، وارتفاع أسعار السماد مرات عديدة، ولم تنفَّذ خطط الحكومات بتعميم الري الحديث، ولم تضع الحكومات الأسعار المشجعة للمحاصيل الاستراتيجية، وأهملت محصول القطن الذي يعد عماد الصناعات التشجيعية التي اشتهرت بها سورية تاريخياً، وهكذا لم تتسلم صوامع الحكومة إلا 650 ألف طن من القمح، واستهلاكنا نحو 2.5 مليون طن في هذا العام ونحو 40 ألف من القطن، في الوقت الذي تحتاج فيه صناعاتنا النسيجية إلى نحو 300 ألف طن.
كذلك عانى مزارعو المحاصيل المروية والخضار والأشجار المثمرة من نقص المازوت، وارتفاع أسعار العلف وفقدان الأدوية البيطرية، وفقدان خطط ممنهجة للتصدير، تزامناً مع الاحتياجات المحلية وعدم تنفيذ المشروع الوطني للري الحديث
إن ارتفاع أسعار مستلزمات الزراعة أدى إلى ارتفاع مستمر لأسعار المواد الغذائية الأساسية، وهذا ما أدى إلى تراجع الأمن الغذائي، ونقص حاد في استهلاك المواطنين، وصعوبة في تصدير المنتجات، ومعاناة معيشية وصلت إلى حدود العوز الغذائي لدى الفئات الفقيرة، بسبب عدم تناسب مداخيلها وأجورها الحقيقية مع الارتفاع المستمر لأسعار الغذاء.
الصناعة…
ــــــــــــــــــ
جميع الحكومات المتعاقبة وضعت في بياناتها الوزارية مسألة تحفيز قطاعات الإنتاج الصناعي، لكن هذه القطاعات مازالت حتى يومنا هذا تعاني العديد من المعوقات والعراقيل التي لا تعيق دوران عجلة الإنتاج فقط، بل تهدد بتوقف تلك القطاعات الصناعية، في مرحلة تتطلب مواجهة الحصار الظالم، والتخفيف من تداعياته وأهم ما تعاني منه هو:
1 ـ نقصان الطاقة (كهرباء ـ مشتقات نفطية) التي تعد أهم احتياج للإنتاج في القطاع الصناعي والحرفي.
2 ـ النقص في تأمين مستلزمات الإنتاج من المواد الأولية والوسيطة، وارتفاع أسعارها.
3 ـ عدم وضع سياسة حكومية واضحة لتسهيل إقراض المنشآت والقطاعات الصناعية، رغم توفر السيولة بالعملة السورية لدى المصارف.
4 ـ نقص اليد العاملة المدربة بعد هجرة الآلاف منهم إلى الخارج.
5 ـ تراجع الطلب على المنتجات بسبب تراجع القدرة الشرائية لنحو 85% من المواطنين السوريين.
6 ـ تهميش إصلاح وتطوير القطاع العام الصناعي، رغم تشكيل العديد من اللجان لهذه الغاية، ورغم الدور الهام الذي يمكن أن يؤديه في هذه المرحلة، ورغم الخبرة المتراكمة التي كونها في العديد من الصناعات، وقد برزت مؤشرات جدية من خلال تصريحات بعض المسؤولين، وكذلك من خلال عرض مؤسسات وشركات صناعية عامة للخصخصة تحت شعار (التشاركية) على نيّة مبيّتة للتخلص من القطاع العام الصناعي رغم كونه مظهراً من مظاهر التعددية الاقتصادية التي تصف اقتصادنا الوطني. ازدادت الفوائض الاقتصادية لمؤسسات القطاع العام الاقتصادي من 7415 مليار عام 2024 إلى 11678 مليار عام 2025 وهذا دليل على حيوية هذا القطاع وإمكانية زيادة فوائضه أكثر فأكثر، إذا ما رُسمت السياسات الصحيحة لمعالجة مشكلاته وتطويره ليساهم في دعم تدخل الدولة في العملية الاقتصادية.
في الوضع المعيشي…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ لن نطيل في توضيح معانة المواطنين السوريين المعيشية، لكننا نشير هنا إلى بعض الهموم الكبرى للمواطن السوري:
1 ـ تراجع الأجور والمداخيل الحقيقية قياساً لتكاليف الحد الأدنى للمعيشة.
2 ـ الانسحاب التدريجي للحكومات من مبدأ الرعاية الحكومية للفئات الفقيرة، عبر تقليص مبالغ الدعم، ورفع أسعار المواد والخدمات الحكومية، وخاصة ما جرى مؤخراً من رفع أسعار الخدمات الصحية في المشافي والعيادات الحكومية.
ونحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد، نرى في الدعم الحكومي للفئات الفقيرة التي تمثل اليوم أكثرية السوريين، توجهاً وطنياً بامتياز تفرضه بنود الدستور السوري، كما تفرضه التضحيات التي قدمتها هذه الفئات، التي كانت جنباً إلى جنب، ودعمت قواتنا المسلحة في مواجهة الإرهابيين، وكانت السند الأهم، والعامل الحاسم في انتصارات جيشنا الباسل.
اقتراحات للحكومة الجديدة في المرحلة الراهنة
1ـ وضع نسب مقترحة لالتزامات الحكومة في جميع القطاعات الاقتصادية والمعيشية، يجري بالاستناد إليها تقييم الأداء الحكومي.
2 ـ زيادة وتوجيه الاستثمار الحكومي باتجاه قطاعي الزراعة والصناعة ومشاريع الطاقة.
3 ـ التركيز في الاستثمار الحكومي، وفي تحفيز الاستثمار الخاص على المشاريع التي تنعكس مباشرة على الوضع الاجتماعي والمعيشي، المولدة لفرص العمل، والموفرة لفاتورة الاستيراد، والملبّية لاحتياجات المواطنين السوريين الأساسية، كالصناعات الغذائية، والصناعات النسيجية التي تولّد قيمة مضافة، وتشغّل صناعاتٍ وحِرفاً مرتبطة بها.
4 ـ عودة الحكومة للاستثمار في المشاريع الزراعية، ومشاريع الثروة الحيوانية، وإقامة الصناعات الغذائية، وتشجيع صناعة الألبان والمواد الزراعية الأخرى.
5 ـ توفير الأسمدة والعلف بأسعار في متناول المزارعين ولو تطلب الأمر دعم هذه الأسعار حكومياً.
6 ـ السعي الجدي لتنفيذ مشاريع الري الحديث توفيراً للمياه والمازوت اللازم للزراعة، فقد مضى ربع قرن على وضع هذا الاستحقاق في برامج الحكومات، لكنه لم ينفَّذ حتى اليوم.
7 ـ إعادة القطن إلى قائمة المحاصيل الاستراتيجية، ووضع أسعار تشجيعية لاستلام القمح والقطن تضمن ربحاً للمزارع لا يقلّ عن 25%، فالمصنوعات النسيجية اليوم تستورد القطن بالقطع الأجنبي، وبأسعار تزيد عن السعر العالمي.
8 ـ استمرار الحكومة في برنامج إحلال الصناعة الوطنية بدل المستوردات وما يتطلبه ذلك من توسيع لهذه المصنوعات، وضمان نجاح هذا البرنامج عن طريق دعم هذه الصناعات.
9 ـ وضع سعر تشريعات ضريبية جديدة تخفّف معدلاتها على المنتجين في القطاعين الزراعي والصناعي، وتكون رمزية على الصناعات التي كانت تستورد من الخارج، وترفع معدلاتها على الأرباح والريوع وتخفض معدلات الضريبة غير المباشرة (غير العادلة) التي يتساوى فيها دفعها الفقراء والمقتدرين.
10 ـ رفع الحد الأدنى للأجور والرواتب إلى مستوى خط الفقر العالمي، وهو ما يعادل دولارين للشخص الواحد في اليوم، أيْ ما يعادل 816 ألف ليرة في الشهر حسب السعر الرسمي.
11 ـ إعادة النظر بقرارات وزارة الصحة حول تسعيرة العلاج والعمليات الجراحية في المشافي العامة.
12 ـ تدخل الحكومة في تحديد نسب الربح على المنتجات، وتفعيل المراقبة للأسواق.
13 ـ البحث عن طريقة لإيصال الدعم النقدي دون تحميل المواطن معاناة فتح الحسابات المصرفية ودفع رسومها، وعدم رفع أسعار المواد الأساسية للمواطن.
14 ـ الحفاظ على مجانية التعليم في جميع مراحله، وعدم زيادة الرسوم، وأسعار الكتب، وعدم زيادة نسب التعليم الموازي (المأجور) على حساب التعليم العام.
15 ـ تراجع الحكومة عن قرارها برفع سعر مازوت التدفئة بنسبة 150% في وقت تعاني فيه الفئات الفقيرة تراجع الأجور الحقيقية.
16 ـ معالجة ارتفاع سعر القطع الأجنبي بالوسائل المالية والنقدية له مفعول مؤقت، والمعالجة الحقيقية تأتي من زيادة الإنتاج الوطني وزيادة فرص العمل وتصدير المنتجات، وتقليص فاتورة الاستيراد.
17 ـ جميع هذه الإجراءات ستكون قاصرة إذا لم يتحقق لجم الفساد ومكافحة الفاسدين والمستفيدين من الأوضاع الراهنة لاقتصادنا الوطني. فالفساد سيجهض أيَّ محاولة لخروج اقتصادنا من نفق الركود، وأيَّ سعي جدّي لإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة.
هذه رؤية حزبنا واقتراحاته
وتفضّلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
دمشق 19/10/2024
الحزب الشيوعي السوري الموحد