افتتاحية العدد 984 من “النور” | صباح فخري.. هرم السوريين الخالد وداعاً!

كتب رئيس التحرير بشار المنيّر:

لأن الولادة والرحيل ضرورة، ولأن أبناء الحياة يأتون ويذهبون بعد أن يتركوا أثراً.. فقد أتيت ورحلت يا صباح فخري، لكنك تركت هرماً سورياً منصوباً، لا على أرض جرداء، بل في ذاكرة تُستعاد وتتجدد مع كل إشراقة شمس.

يقول نيتشه: (لدينا الفن كي لا تميتنا الحقيقة).. ولأن الحقائق نسبية في عالم يغتني ويتنوع في كل يوم، وتترك في كثير من الأحيان تأثيراً متبايناً، بل قاسياً عند هذا وذاك، ابتدع الإنسان في سياق أنسنته التي امتدت قروناً ما يساعده على تقبل إيقاع الحياة بحلوها ومرها، فكان الفن.. وكان الغناء الذي رفعه الأقدمون إلى مرتبة الطقوس الإلهية.

لم يكن الراحل الكبير فناناً عادياً تستهويه كلمة، ويأخذه لحن، بل كان فناناً خلاقاً أحيا تراثاً كان سيطويه النسيان، فانتشل من النصوص الباقية، وبحث حتى في ذاكرة الناس عن تراث وجد بعد أن أحياه طريقه إلى الخلود.

لقد أدرك صباح فخري بذكاء نادر، أن الذاكرة الشعبية في شرقنا تحتفظ بما يشدها إلى التراث الذي نشأت عليه رغم التحديثات والتنوع الذي طرأ على الموسيقا والغناء في هذه المنطقة، فراح يجتهد ويضيف ويحيي بعدها طرباً اتسم بسحر الكلمة ورقّة الموسيقا وعظمة الأداء.. وهكذا لم يختلف الناس في سورية ولبنان ومصر والعراق والأردن وفلسطين والمغرب العربي في تقييم ما أهداه لهم صباح فخري بكؤوس صافية حملت النشوة إلى الحنايا والفرح إلى القلوب.

في ابتهاله (اسقِ العطاش) الذي يذكره الناس بشكل دائم، والذي كتب كلماته ووضع ألحانه محمد المنبجي الحلبي، يشدو صباح فخري:

يا ذا العطاء..

يا ذا الوفاء..

يا ذا الرضا..

اسق العطاش تكرما

فالعقل طاش من الظمأ

كئيب الفؤاد فتى

غريب إليك أتى

يروم الوفا فمتى

هجرني فرحت من البعاد

أبكي من وجدي

وخلّى دموع العين تجري على خدي

أترى زماني يعود

كامل المعاني وصلك هو نصيبي

واطفِ بالتداني لوعتي التي بي

صباح فخري..

أيها الهرم المقيم.. المقيم في ذاكرتنا الشعبية التي خالطت نقاءها خلال السنوات العشر الكارثية، مشاهدُ مأسوية.. هل يعود صفاء زماننا.. كامل المعاني وتُطفأ لوعتنا التي بنا؟ كم نرجو ذلك يا صباح فخري!

رحيلك وحّد شعبنا أيها الراحل الكبير.. فإلى الخلد.. يا فنان الشعب!

آخر الأخبار