عاماً بعد عام وشتاؤنا بعيد عن الحنين!

وعد حسون نصر:

لم يعد فصل الشتاء فصل الحنين، فصل الهدوء والسلام، أو كما يقال في العامية (الكنكنة)، بل بات أشبه بحمل ثقيل على أكتافنا جميعاً من الصغير للكبير. لم تعد حلواه شهيّة المذاق، فقد غاب عنها السكّر وبات مرّه بطعم أيام شقائه.. أحاديث السمر غابت عن سهراته، فكلٌّ منّا بات في مكان، حتى صوت هدير النار بالمدافئ لم نعد نسمعه لأنه غاب مع آخر قطرة وقود قُنّنَتْ علينا، حكاياتنا.. أكلاتنا الدافئة، ذكرياتنا، صوت المذياع مع كأس الشاي بجانب الموقد، كلها باتت من محتويات صندوق الذكريات.

لم يعد في شتاءاتنا إلاّ أحاديث الشقاء ورحلة البحث عن الخبز منذ طلوع الشمس، وبعدها محاولات خاوية للبحث عن الوقود والغاز، أصبحنا ننتظر الكهرباء لنكمل رحلة الشقاء ركضاً وراء تعبئة خزان المياه وتشغيل الغسالة وحتى تحضير الطعام على السخان الكهربائي، يمضي النهار ونحن نسعى وراء أبسط حقوقنا وكأنها حسنة توهب لنا، وما علينا إلاّ الحمد والشكر لساعة أو نصف ساعة تغذية من التيار الكهربائي، هل سنمضي أيامنا الباقية في الانتظار؟ انتظار الماء والغاز والمازوت والسكر والرز والزيت، والأهم الأهم عصب الحياة الكهرباء!! ألا يكفينا ألم حنين انتظار الغائب في أصقاع الأرض لاجئاً يبحث عن فرصة عمل ربما تكون فاتحة لم شمل الأهل للتمتّع بحياة كريمة خارج قيود الوطن، ولعلَّ الحنين المدفون بالدموع والأشواق لفراق من غيّبهم القدر عنّا وجعلهم صوراً تزينها شرائط سوداء على جدران منازلنا لنروي حكايات موتهم إمّا ضحية تفجير أو قذيفة أو رصاصة طائشة. كل هذا الحنين في فصل خصّه الله بالخير لتروى أرضه بماء السماء وتلبس ثوبها الأبيض، وبعدها تزهر ربيعاً مزركشاً بأطيب الخضار وأشهى الفاكهة، دفء شتاء غاب عنّا تحت مسمّيات عديد فرضتها الحرب الرعناء، ليصبح ثقيلاً بثقل الهم المحمول على أكتافنا، تحت مبررات كثيرة: الحرب، والحصار، ودمار البنى التحتية، هل بتنا نحن للماضي مرددين عبارات من مثل ليته يعود لخوفنا من المستقبل القاحل بغلِّ القيود؟! لماذا لا تتركوا لنا الماضي يمرُّ جميلاً بشريط الذكريات في حاضرنا المفعم بالابتكارات سعياً وراء مستقبلنا عبر جسر نجاحات حاضرنا؟

هل بات همّنا الوحيد أن ننهي الفصول سريعاً ظنّاً منّا أن القادم سوف يمنحنا ساعة نور إضافية وقطرة وقود تشعل دفء الضلوع من دون أن توقظ الحنين مع شريط الذكريات؟ يا ليتكم تعيدون لنا الغائب خلف حدود الوطن عزيزاً مكرّماً بين الأهل تحت سقف البيت الدافئ المنير ويكون شملنا بيوتنا الحميمة بشتائها السوري كما كان سابقاً، مساؤه مفعم بالروايات ورائحة الطعام والحلويات والسمر والضيوف، ونهاره للعمل مهما كانت شدّة الرياح وغزارة الأمطار، لأننا لم نكن نحمل همَّ رحلة البحث عن مقعد في المواصلات للوصول إلى عملنا، أعيدوا لنا السلام بنفوسنا لتخلد لحبها في الشتاء وفرحها ولعبها في الصيف وإشراقها في الربيع وحنينها في خريف الذكريات، أعيدوا لنا الشتاء دافئاً فقد مللنا رحلة الشقاء خلف حقوقنا في الحياة!

آخر الأخبار