بين رفع الدعم وارتفاع الأسعار تكمن الحكومة

عجباً من حكومة كرست كل خبرائها وخبراتها وخططها المستقبلية في إيقاف الدعم عن مالكي سيارة ١٥٠٠ cc وسنة صنعها ٢٠٠٨، كما كرست وزارة بأكملها في دراسات عميقة جداً تمحورت حول نقل الخبز من المخبز وتوطينه وتوزيعه وبيعه بالسعر الحر، وكثير من الغرائب والاختراعات التي لم تُحْدثها أي حكومة بالعالم أجمع، والذي جعلت لحكوماتنا المتتالية بصمة متميزة تتفرد بها في التفنن برسم منهجية الفقر والتفقير والتهجير لم تسبقها فيه أي حكومة أخرى، هذا حال بلدنا السوري اليوم بعد أن أفقدته قرارات الحكومات المتعاقبة منذ عام 2008 طاقاته الإنتاجية بشقيها الزراعية والصناعية، وجعله بلداً مستهلكاً مستورداً ليبسط بعض التجار سطوتهم على الأسواق والمواطنين ويفرضوا ويتحكموا بكل شيء بقوة المال .
سنوات مرت ونحن نطالب بإحياء الإنتاج ودعمه بقوة، بإعطاء المنتجين كل الامتيازات والتسهيلات، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالمنهج المتبع بسوء استخدام الإدارة الذي جعل الكارثة تتفاقم أكبر وأكبر، الكثير من المنتجين هاجروا بسبب كثرة الأتاوات المفروضة والجمارك وغيرها الكثير من القضايا القابعة خلف الكواليس، والتي لا يمكن ذكرها، فمكة أدرى بشعابها، ولماذا ترك أغلب المنتجين البلد واتجهوا لبلاد أخرى، ومنهم من أغلق مصنعه وغيره الكثير. 11 سنة من الحرب ولم نتغير سوى للأسوأ وقرارات الحكومة للأسوأ، وعود تأتي قرارات عكسها تماماً، من دون أي خجل أو حياء، ولعل وعود وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك خير مثال على ذلك، من وعود بتخفيض الأسعار إلى قرارات وزيرها برفع أسعار السلع الاساسية الغذائية من حبوب وبقوليات و طحين وسكر وغيره، واضعاً حساب التكاليف وفق ما زوده بها الموردون أي التجار، ماذا تغير إن كان سعر الصرف ذاته وتمويل المستوردات الخارجية بالسعر لم يتغير، وكذلك المواد الموردة داخلياً وفق وصفه ببعض التعليقات، فهي بالليرة السورية لم يتغير عليها شيء، فكيف ازدادت بفوارق كبيرة في بعض السلع كالحمّص مثلاً الذي ارتفع بمعدل 1300 ليرة للكيلو الواحد وغيره من المواد الأخرى التي ارتفعت بمعدلات مختلفة، فقد تضاعفت الأسعار خلال سنة 5 أضعاف مسجلة بذلك أرقاماً قياسية جديدة بالنسبة لدخل الفرد في سورية.
لم يقف الموضوع عند ارتفاع الأسعار فقط، بل بات موضوع رفع الدعم هو الشغل الشاغل لكل الحكومة مع أن مجلس الشعب في جلسته الأخيرة رفض الكثير من أعضائه ملف رفع الدعم، ولكن حكومة بأكملها منشغلة بالملف نفسه، وكأنه لم يبقَ هناك أي مشكلة أو ملف آخر يحتاج إلى المعالجة والدراسة في بلدنا السوري سوى ملف رفع الدعم وتصريحات العاملين عليه، فقد صرح معاون وزير الاتصالات: عدد الأسر المستبعدة من الدعم بسبب امتلاك سيارة ١٥٠٠ cc وسنة صنعها ٢٠٠٨ وما بعد ٦٦ ألف أسرة، وعدد السيارات المستبعدة ٥٨ ألف سيارة، والموظفين والعسكريين و المتقاعدين يشكلون ١٠% منهم أي عددهم ليس كبيراً.
أما معاون وزير النفط فصرح بشكل معاكس: الدراسات لم تنته بعد بخصوص استبعاد الموظفين الذين يملكون سيارات أكبر من1500 cc وتاريخ صنع ٢٠٠٨ فما فوق من الدعم.
تصريحات متناقضة انتقلت من الوزراء لمعاونيهم ولكن التصريح الأكثر استغراباً، ويمكن أن نصفه بالمخجل الذي لم يسبق لأحد أن صرح به هو موضوع القبور بأنها ممكن أن تدخل بملف برفع الدعم الذي صرحت به معاونة وزير الاتصالات: القبور ليست من الملكيات العقارية ولم تؤخذ بعين الاعتبار في الدراسة الخاصة برفع الدعم حتى الآن.
ولم نعلم حتى الآن ما علاقة القبور بالدعم وبالملك، أم لدينا قبور مصنوعة من الذهب والألماس ولا نعلم عنها شيئاً!
ختاماً
ما نحتاجه اليوم هو حكومة تؤمن بالعمل والبناء، لا حكومة تصاريح وأقلام، الإنتاج والاقتصاد ليس بالكلام يبنى بل بالعمل الجاد ومعالجة الأخطاء وتفعيل القوانين لمحاربة الترهلات والفساد والجهل المستشري الذي بات يقض مضاجع الأمان في بلدنا.

آخر الأخبار