الحرب من وجهة نظر إينشتاين وفرويد

د. أحمد ديركي:

لم تكن الحروب يوماً مسألة عابرة في تاريخ البشر، بل رافقته منذ نشأته وحتى تاريخه. وليس بالضرورة أن يكون الشخص متخصصاً بالتاريخ ليدرك مدى التصاق الحروب بالتاريخ البشري. وكم من رواية (شعبية) أو غير شعبية تعتمد في جوهرها على الحروب، ومن هذه الروايات الشعبية على سبيل المثال روايات عنترة بن شداد، وهنا يمكن أن يُطرح السؤال التالي: لو لم تكن هناك حروب فهل كان هناك من وجود لعنترة بن شداد؟ طبعاً وجود بصفته ذاك البطل الذي لا يقهر، لا بصفته عاشقاً لعبلة.

وكم من رواية عالمية حول الحروب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر رواية (الحرب والسلم). فهل كان من وجود لهذه الرواية إن لم يكن هناك حروب. وغيرها وغيرها على المستوى الأدبي. ولا يتوقف الأمر عند المستوى الأدبي، بل يتخطاه وصولاً إلى بقية العلوم الإنسانية. فالحروب تشكل جزءاً أساسياً من مكونات هذه العلوم، وإن اتخذت تسميات مختلفة مثل النزاع، والنزاع مصطلح أعم وأشمل من الحروب، فالحروب نوع من أنواع النزاع المسلح، وللنزاع أكثر من نوع.

لذا لفتت الحروب، بخاصة، نظر كل من ألبرت إينشتاين وسيغموند فرويد، في محاولة لإيجاد تعريف وحل لها لإنقاذ الجنس البشري منها، بعيداً عن الشعبوية والعبارات البطولية والتخوينية.

وهذا جزء يسير مما ورد في المراسلات بينهما حول هذا الموضوع في عام 1932، ليكون أكثر علمية في مقاربته لمجريات أحداث اليوم.

جزء من رسالة إينشتاين إلى فرويد:

… من المشاكل الأكثر إلحاحاً من بين جميع المشاكل التي يجب على الحضارة مواجهتها هي هل هناك أي سبيل لإخراج البشرية من خطر الحرب؟

من المعروف أنه مع تقدم العلوم الحديثة، أصبحت هذه القضية تعني مسألة حياة أو موت للحضارة كما نعرفها؛ ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الحماسة التي ظهرت، فإن كل محاولة لحلها انتهت بانهيار مؤسف.

وهذا جزء من رد فرويد:

يُحل تضارب المصالح بين الإنسان والإنسان، من حيث المبدأ، باللجوء إلى العنف. الشيء نفسه يحدث في مملكة الحيوان، التي لا يستطيع الإنسان أن يدّعي أنه منفصل عنها؛ ومع ذلك ، فإن الإنسان أيضاً عرضة لخلافات في الرأي، حيث يلامس، في بعض الأحيان، أعلى قمم الفكر المجرد، التي يبدو أنها تدعو إلى التسوية بطريقة مختلفة تماماً.

هذا التحسن، مع ذلك، هو تطوير متأخر. بادئ ذي بدء، كانت القوة الغاشمة هي العامل الذي يقرر، في المجتمعات الصغيرة، نقاط الملكية والسؤال عن إرادة الإنسان التي يجب أن تسود. وسرعان ما استخدمت القوة البدنية، ثم استبدالها باستخدام ملحقات مختلفة.

لآن، ولأول مرة، مع تطور الأسلحة، بدأت العقول المتفوقة في طرد القوة الغاشمة، لكن موضوع الصراع ظل كما هو: كان على أحد الأطراف أن يُقيَّد، بسبب الإصابة التي لحقت به أو ضعف قوته، التراجع عن مطالبه أو رفضها.

تتحقق هذه الغاية بشكل أكثر فاعلية عندما يجري إخراج الخصم بشكل نهائي من العمل – بمعنى آخر، يُقتل. هذا الإجراء له ميزتان؛ لا يمكن للعدو أن يجدد الأعمال العدائية، وثانياً، يمنع مصيره الآخرين من الاقتداء بمثاله.

وهكذا، في ظل الظروف البدائية، فإن العنف الغاشم المتفوق، أو العنف المدعوم بالأسلحة، هو الذي يسيطر عليه في كل مكان.

يجب أن نعترف بأن الحرب قد تساعد بشكل جيد في تمهيد الطريق إلى ذلك السلام الذي نرغب فيه، لأن الحرب تخلق إمبراطوريات شاسعة، وهي تحظر جميع الحروب داخل حدودها من قبل قوة مركزية قوية. في الممارسة العملية على أي حال، لم يتم تحقيق هذه الغاية، كقاعدة، فإن ثمار النصر ليست سوى فترة قصيرة، تنهار الوحدة المنشأة حديثاً مرة أخرى، بشكل عام لأنه لا يمكن أن يكون هناك تماسك حقيقي بين الأجزاء التي يلحمها العنف.

فيما يتعلق بعالم اليوم، لا توجد سوى طريقة واحدة مؤكدة لإنهاء الحرب وهي أن تُنشأ، بموافقة عامة، سيطرة مركزية تكون لها الكلمة الأخيرة في كل تضارب في المصالح. لهذا، هناك حاجة إلى شيئين: أولاً، إنشاء مثل هذه المحكمة العليا للقضاء؛ ثانياً، استثمارها بقوة تنفيذية مناسبة.

هكذا قارب فرويد، بشكل جزئي، مسألة إنهاء الحروب، طبعاً الرسالة نحو 20 صفحة، وهذا مجرد جزء منها لنعيد القول لمن يرغب في مقاربة الحروب بشكل علمي عليه الانطلاق من الفكر الشيوعي ليفهم مقاربة كل من إينشتاين وفرويد للحروب وسبل القضاء عليها ليعيش الإنسان بسلام.

آخر الأخبار