افتتاحية العدد 1002 من جريدة “النور” | البركان الروسي وإفرازاته

بعد ثلاثة أسابيع على انفجار البركان الروسي، كيف يبدو المشهد العالمي، خاصة في أوربا وأطرافها الأقرب؟

ما الذي أثبته الحدث الروسي الذي اعتقد كثيرون أنه محض خيال، بعد زوال الاتحاد السوفييتي وتحوّل العالم إلى فضاء فسيح، يسرح فيه ويمرح القطب الأمريكي الذي أعلن، بصفاقة وعنجهية، نهاية التاريخ، وانتصار السوق على الفلسفة والحق والخير؟

1- بدايةً، شكّلت إفرازات الحدث الروسي حتى اليوم مصداقية إضافية لمن أكد أن انقسام العالم خلال سبعين عاماً بين نظامين عالميين متعارضين، ليس السبب المحتمل لحروب عالمية مدمرة، فالرأسمالية تحمل في جوهرها مبدأ امتلاك كل شيء.. أما التقاسم والشراكة والتسامح في سوق يعجّ بالضواري، فهي غير موجودة في قاموس الرأسمالية.

2- إن البركان الروسي كذّب من راح يفصل بين السياسة والبندقية تحت غطاء ممنهج من القواعد الفلسفية البراغماتية، وحزمة من الشعارات الإنسانية الخادعة، لضمان استمرار النهب والاستغلال وسلب الحقوق دون (حروب) وسلاح، وهم يدركون تماماً أن الحرب ليست قاصرة على البندقية والرصاص، وأنه في كثير من الأحيان ينقلب المشهد، فمن يلجأ إلى الحرب قد يعد مدافعاً في مواجهة السياسات التي تحاصره.. وتمنع عنه الهواء، كما في الحالة الروسية اليوم.

3- أثبتت سنوات ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أن السلام العالمي فقدَ العامل الرئيسي لضمان استمراره، فالتاريخ، قديماً كان أو حديثاً، يؤكد أن صراع الضواري أدخل العالم مرات عدة في حروب دفعت البشرية ثمنها غالياً، وأن أسلحة التدمير الشامل التي تتسابق جيوش الإمبريالية لامتلاكها اليوم ليست موجهة إلى قلاع الاشتراكية والشيوعية فقط، بل لضمان نهب ثروات الشعوب ومواردها وعقولها وعرقها، بل وتراثها وتاريخها.

لقد أصبح السلام العالمي في عالم القطب الأمريكي الأوحد، أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

4- إن حقوق الإنسان.. والديمقراطية.. وحق تقرير المصير، وجميع الشعارات والمواثيق التي تضعها الدول الإمبريالية تبقى صالحة، من وجهة نظرها، بمقدار ما تخدم استمرار صراعها الدؤوب من أجل السيطرة والنهب، وما روّجته الماكينة الإعلامية الأمريكية والأوربية عن الحدث الروسي، منذ يومه الأول، يفضح زيف المتاجرين بهذه الشعارات أمام من توهّم بعدالة الإمبريالية وديمقراطيتها وإنسانيتها، بعد أن تجاهلت.. بل ساعدت في استباحة بلدان وشعوب، والمثال الفلسطيني.. أكبر شاهد، وكذلك المثال السوري.. والعراقي.. والفيتنامي.. والكوري.. كلّها واضحة أمام الجميع وتشهد على هذا الزيف.

وهذا ما يضع شعوب العالم أمام استحقاق، كان ومازال يشكل طموحاً ومصيراً، وهو النضال من أجل انتزاع حقوقها السياسية والديمقراطية والاجتماعية، عبر تشكيلاتها السياسية الوطنية، دون انتظار عطايا الإمبرياليين ونصائحهم ونماذجهم (الديمقراطية) المتحولة كيفياً إلى أشرس ديكتاتورية عرفها تاريخنا المعاصر، كما يضع القوى السياسية الوطنية في كل بلد من البلدان النامية، ومنها سورية، أمام مهمة تعزيز التحالف من أجل مواجهة عدوانية الإمبريالية الأمريكية وحلفائها، والتوافق على بناء مستقبلها الديمقراطي العلماني، ويضع أخيراً أمام الأنظمة الوطنية في هذه البلدان ضرورة تحقيق الإصلاح السياسي الديمقراطي والاقتصادي، فهو الأساس لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، المعتمدة على الذات، بمعزل عن تدخلات الصناديق والمؤسسات الدولية المرتبطة بالإمبريالية الأمريكية.

5- إن العملية العسكرية الروسية ستؤدي -حسب اعتقادنا – إلى علاقات دولية جديدة، غير خاضعة لوحدانية القطب الأمريكي المتحكم حتى اليوم بمفاتيح الحرب والسلم، والركود والرخاء، ومُشعل الحروب المحلية في أرجاء العالم، وكانت سورية ضحيةً لعدوانية هذا القطب، بسبب ممانعتها لمخططاته الرامية إلى بناء (شرق أوسط جديد) تحت إدارة (الدركي) الصهيوني، لكنها واجهت الغزو الإرهابي المدعوم من أمريكا وحلفائها، واستطاعت بعد تضحيات شعبها وجيشها، وبمساعدة الحليف الروسي، دحر الإرهابيين واستعادة معظم الأرض السورية، بعد أن امتزج الدم السوري بدماء الجنود الروس، وهذا ما عبر عنه موقف حزبنا الشيوعي السوري الموحد، في موقفه من العملية العسكرية الروسية، في أوكرانيا، الذي صدر عن الناطق الرسمي باسم الحزب.

إفرازات العملية العسكرية الروسية لم تنتهِ بعد، فالأيام القادمة قد تحمل الكثير من الشواهد التي ستضع البشرية أمام خيار واحد حسب اعتقادنا: من أجل ضمان السلام الدائم للبشرية جمعاء، لابد من النضال من أجل عالم خال من الاستغلال والاستعمار والنهب.. وأسلحة الدمار الشامل.

البركان الروسي وجه صفعة للقطب الأوحد وشركائه، لكن العالم الذي نريده.. عالم دون الإمبريالية.

آخر الأخبار