افتتاحية العدد 1017 من جريدة “النور” | بايدن في المنطقة.. إيزنهاور جديد!

بعد إعلان حماسه العلني للكيان الصهيوني، أرفق بايدن هذا الحماس بتحيّزه لعقيدة الصهيونية، ثم أعلن بعد ذلك تبرُّع الولايات المتحدة بمئة مليون دولار للمؤسسات الصحية الفلسطينية. ولا ندري هنا هل صدق أحد من إخوتنا الفلسطينيين أن بايدن يسعى إلى المساعدة في إحقاق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير؟

ماذا أراد بايدن من زيارته للمنطقة، وما الذي يسعى إليه بعد أن أصبحت سيادة القطب الأوحد على السياسة والاقتصاد العالميين في مهب الريح، وبعد أن شهدت البشرية بأم العين توريط الحليف الأوربي بنزاعات مع روسيا، تضخ مليارات الدولارات في المجمع الصناعي الحربي الأمريكي؟

لقد أعلن مستشار الأمن القومي (سولينان) أن بايدن يهدف من وراء قيادته لاجتماع الدول الخليجية ومصر والأردن والعراق، إلى ضمان عدم وجود (فراغ) في الشرق الأوسط تملؤه الصين وروسيا، وفي ذلك إحياء وتجديد لمبدأ (إيزنهاور) سيئ الصيت، الذي طرح في خمسينيات القرن الماضي، للوقوف في وجه تحرير البلدان العربية من الاستعمار، والتحكم بمقدراتها، والدفاع عن حقوقها المشروعة، وكانت الذريعة آنذاك: مكافحة الشيوعية.

الضمان لعدم وجود (الفراغ) يعني أمريكياً، ضمان استمرار سيطرتها السياسية والاقتصادية على ثروات شعوب المنطقة، في مواجهة تصاعد التأثير السياسي والاقتصادي لروسيا والصين، ويعني أيضاً توكيل الحليف الصهيوني بإدارة شؤون هذه المنطقة عبر تحالفات سياسية وعسكرية يشارك فيها الكيان الصهيوني كدركيّ مدجّج بالسلاح، ويعني الضمان الأمريكي المطلوب، التأكد أن دولاً أخرى، مثل سورية، لن تقول (لا) ، للأطماع الأمريكية، والاستباحة الصهيونية، و(لا) لإنكار العوامل الحقيقية للسلام في المنطقة، وفي مقدمتها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

أمريكا (الغاطسة) في المأزق الذي ورطت أوربا في تداعياته، ونقصد هنا تصعيد العداء والحصار ضد روسيا، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تحتاج اليوم إلى حلفاء من نوع خاص جداً وفق المعايير الأمريكية، إنهم حلفاء يغامرون بمصالح بلدانهم السياسية والاقتصادية، في مقامرة واضحة النتائج، لدعم قطب تتهاوى قيادته للعالم بعد سلسلة من الحروب والتدخلات العسكرية التي أشعلها، والتي يخطط لإشعالها، وبعد ظهور أقطاب أخرى قادرة على التأثير في مجرى السياسة العالمية، وتسعى إلى عالم متعدد الأقطاب.

لم يعد العالم كما كانت تراه أمريكا قبل عقود، ونعتقد أن مخرجات ما يجري اليوم في أوكرانيا، ستجعل حتى أقرب الحلفاء للإدارة الأمريكية يعد للألف قبل أن يتورط في تحالفات تهدّد الاستقرار العالمي، وتساعد على استمرار قيادة العالم من وراء الأطلسي عبر مصانع السلاح ومطابع الدولار.

المطلوب، اليوم، هو التصدي لمبدأ إيزنهاور الجديد، مثلما تصدّى شعبنا لمبدأ إيزنهاور القديم، أي الاستمرار في مواجهة الاحتلال والعدوان، والحفاظ على السيادة السورية ووحدة سورية أرضاً وشعباً، ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتهيئة مستلزمات صمود الشعب السوري في مواجهة الاحتلال الأمريكي والتركي والصهيوني.

وبالطبع فإن توحيد كلمة السوريين، وحل معضلاتهم المعيشية المأسوية يلعب الدور الحاسم في استمرار الصمود.

آخر الأخبار