افتتاحية العدد 1019 من جريدة “النور” | تداعيات الزلزال.. أين نحن؟

مخرجات الزلزال الروسي لم تكتمل بعد، فالعملية لم تنتهِ بعد، لكن تأثيراتها تتّسع أكثر فأكثر، لا في القارة الأوربية فحسب، بل تشظّت في آسيا وإفريقيا، وفي الحديقة الخلفية للقطب الأمريكي الذي يستميت في الدفاع عن تحكّمه منذ ثلاثة عقود بالسياسة والاقتصاد العالميين.

وإذا اتفقنا أن العالم لن يبقى كما هو بعد انتهاء العملية الروسية في أوكرانيا، فإننا سنتفق حسب اعتقادي أننا لسنا وحدنا من يدرك ذلك، فمنذ بداية الزلزال، تتكثف في المراكز السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم، دراسة ما بعده، وكيف يمكن التكيّف مع انحسار وحدانية القطب، لكن الأبرز في حسابات هذه المراكز، هو تأثيرات الزلزال الروسي على المناطق والمسائل الساخنة في العالم، التي كانت الولايات المتحدة عاملاً رئيسياً في تسخينها، وتحويلها إلى أزمات عالمية أو إقليمية أو محلية.

في هذه النقطة انقسم المحللون السياسيون إلى فريقين، الأول منهما يعتقد أن الولايات المتحدة ستلجأ إلى تسخين هذه المشاكل والمناطق الساخنة أكثر فأكثر، في محاولة لتشتيت التركيز الروسي على الانتهاء سريعاً من القضية الأوكرانية – الأوربية، وإشغال روسيا وحلفائها وخاصة الصين، بملفات أخرى تشغل البال الروسي والمصالح الروسية في العالم، كالشرق الأوسط وبحر الصين وملف الطاقة والمسألة السورية.

أما الفريق الثاني، فيعتقد أن الأمريكيين (سيبرطلون) روسيا بسلوك براغماتي معتاد، يتلخص بعرض مقترحات تؤدي إلى (تبريد) هذه المناطق والملفات، للخروج بأقل الخسائر من الموقعة الأوكرانية، ومحاولة الحفاظ على سطوتها في السياسة الدولية.

وبغض النظر عن توقعات هذين الفريقين، فإن حدثين بارزين كانا من مخرجات الزلزال، ويتعلقان بسورية والشرق الأوسط، أولهما زيارة بايدن للمنطقة ومحاولته حشد المؤيدين والحلفاء للوقوف بوجه روسيا، والثاني قمة منصّة (أستانا) التي أنشئت أصلاً لتكريس حلّ سلمي للأزمة السورية.

وفي كلا الحدثين، كانت سورية (كدولة) غائبة، لكنها كانت حاضرة في جميع مداولات المشاركين.

هل يكفي هذا؟

وهل سينتظر السوريون طويلاً؟

صحيح أن ظروف الأزمة السورية ومحاولة الغزو الإرهابي واستقواء المعارضة الخارجية وحلفائها بالخارج، وخاصة بالأمريكيين وحلفائهم الأوربيين والخليجيين، قد أخرجت ملف الأزمة السورية من أيدي السوريين، لكن الصحيح أيضاً أن الأوان قد حان.. اليوم وليس غداً، ليقول السوريون كلمتهم.. موحدة، جامعة لجميع أطيافهم السياسية والاجتماعية والإثنية.

لأسباب سياسية تتعلق بالسياسة والكرامة الوطنية ووحدة أرضنا وشعبنا علينا فعل ذلك.

لأسباب اقتصادية تتعلق بإنهاض اقتصادنا الوطني الذي يئن على وقع الحصار والارتجال في المعالجة، علينا فعل ذلك.

لأسباب اجتماعية تتعلق بالتهجير القسري، والفقر، والبطالة، ومغادرة السوريين لوطنهم، علينا فعل ذلك.

لأسباب معيشية تتعلق بمعاناة المواطن للحصول على اللقمة والدواء والدفء، علينا فعل ذلك.

وأخيراً.. لقطع الطريق على من يراهن على اصطفافات دينية وطائفية وإثنية ومناطقية، وتهميش القيم الوطنية العليا الجامعة لجميع السوريين، علينا فعل ذلك.

ليعقد الأقطاب اجتماعاتهم ومؤتمراتهم، وليتنازعوا على المصالح، لكن انتظار الفرج من التقاء هذه المصالح يبدو لنا مخيفاً.

آخر الأخبار