افتتاحية العدد 1082 من جريدة “النور” | إنه ذنب عظيم!

في استعراض سريع للسياسات الأمريكية منذ خمسينيات القرن الماضي، يمكن اكتشاف المنطق الأمريكي في التعامل مع دول العالم وشعوبه.. إنه منطق القوة والغطرسة وفرض الإرادة، وتجيير جميع المتغيرات الإقليمية والعالمية لمصلحة طغمة المصارف وشركات السلاح ومهووسي إشعال الحروب، ووفق هذا المنطق المُغرق في عنصريته، لا يجوز أن تقول (لا)، لأيّ ضغوط سياسية أو عسكرية أمريكية تجاه سياسات مستقلة لدولة ما.. أو هبّة لشعب من شعوب العالم في وجه هيمنة المصالح الأمريكية.. إنه ذنب عظيم لا يُغتفر، عند الإدارات الأمريكية المتتابعة!

هذا المنطق الأمريكي اختبره شعبنا في منتصف خمسينيات القرن الماضي، عندما طُرحت مشاريع (ملء الفراغ.. حلف بغداد)، واختبرته الشعوب العربية بعد أن تحوّل الكيان الصهيوني من الرعاية البريطانية إلى الحماية الأمريكية، تمهيداً لترتيب المنطقة العربية التي تحتوي النفط والموارد الأخرى، وفقاً للمصالح الأمريكية والصهيونية.

لن نطيل في تفاصيل المخططات الأمريكية، لكن الواضح أن جميع التغيرات التي طرأت على الصعيد الدولي منذ أواسط القرن المنصرم، لم تؤدّ إلا إلى ازدياد شراسة السياسات الأمريكية، ودفاعها المستميت عن قيادتها للسياسة والاقتصاد العالميين.

ما يجري اليوم بعد العملية البطولية (طوفان الأقصى) في غزة من تدخل أمريكي سياسي وعسكري لدعم الكيان الصهيوني، ولتحفيزه على ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، والدعم الذي أرادت الولايات المتحدة أن يتحول إلى رسالة للعالم بأسره، من خلال (فزعة) سريعة إلى الأرض المحتلة، شارك فيها الرئيس الأمريكي ووزراء الخارجية والدفاع وكبار جنرالات الجيش الأمريكي، وهو أيضاً هجوم استباقي لمنع تحولات سياسية واقتصادية تفرضها وقائع دولية لم تعد تقبل باستمرار أحادية القطب الأمريكي، وتسعى من أجل ذلك إلى عالم متعدد الأقطاب.

الشراسة الأمريكية تظهر اليوم بأبشع صورها، وقيم الديمقراطية والمساواة وتقرير المصير التي شاركت أكياس الطحين الأمريكية في الماضي في غزو الدول الفقيرة والنامية تتحول اليوم إلى حاملات الطائرات والصواريخ العابرة، وقوانين الحصار، فليس مسموحاً للشرق الأوسط أن يتمرد على المصالح الأمريكية، ولا على فاشية الكيان الصهيوني، وقضمه للأرض العربية، ومحاولاته استباحة المنطقة برمتها.

صحيح أن (طوفان الأقصى) التي أوجعت الكيان الصهيوني، وأزالت الأوهام من نفوس الكثيرين باستحالة هزيمة الاحتلال، كانت عملية محدودة، لكن الولايات المتحدة لم ترَها كذلك، بل اعتبرتها بداية التحدي للهيمنة الأمريكية الصهيونية في ظرف.. ومكان لا يجوز فيهما أن تقول لا (وفق منطقها)، وهذا ما يفسر الشراسة الأمريكية في دعم الكيان الصهيوني في مجازره التي يرتكبها في غزة الصامدة.

منطق الأمريكيين تعرّض كثيراً في التاريخ الحديث للّجم والهزيمة أمام نضالات الشعوب، واليوم مازالت سورية تقاوم، ومازالت فلسطين وأبناؤها ترعب قادة الكيان الصهيوني وتكبده الخسائر، أما أطفال فلسطين فلن ينسوا يوماً أن قذائف الموت التي أفنت ألوف الأطفال في غزة، كانت أمريكية الصنع، ولن يكفوا يوماً عن ارتكاب (الذنوب).

آخر الأخبار