كي لا ننسى…سعيد الدروبي (1932-1959)

ولد الشهيد سعيد الدروبي عام 1932 في مدينة حمص، في إحدى الأسر الفقيرة، وترعرع في غمرة النضال الوطني الضاري، الذي خاضه شعبنا ضد الاستعمار الفرنسي، ورأى بأم عينه الاضطهاد الاستعماري وصور البطولة الشعبية المكافحة ضده، ونشأ شاباً مفعماً بالحماسة الوطنية والعداء للاستعمار وعملائه، وكان من الطبيعي أن يتعلق بصره وعواطفه بالحزب، الذي لعب دوراً كبيراً في مقاومة السيطرة الاستعمارية والنضال في سبيل الجلاء وفي سبيل حقوق الكادحين، وكانت هذه نقطة الانطلاق الواعي والمنظم في نضاله الوطني والطبقي.

انتسب إلى الحزب الشيوعي السوري عام ،1952 وكان خلال السنوات السبع التي قضاها في الحزب مناضلاً نشيطاً واعياً متفانياً، حظي لا بثقة رفاقه وحبهم فقط، بل بثقة أوساط واسعة من الجماهير الشعبية، ولا أدل على ذلك من أنه انتخب لدورتين متتاليتين في قيادة نقابة المعلمين في حمص عام 1954 وعام ،1958 وفي هيئة إدارة نادي المعلمين.

ولعب الرفيق سعيد الدروبي دوراً في بناء منظمة الحزب في حمص من خلال المسؤوليات العديدة التي تسلمها، من سكرتير فرقة إلى عضو في اللجنة الفرعية للمعلمين، إلى عضو في اللجنة الفرعية لحي باب السباع بين عامي 1956 و،1958 إلى سكرتير اللجنة الفرعية في باب هود وظهر المغارة، إضافة إلى نشاطه في منظمة المعلمين وبين جماهيرهم. في هذه المراكز الحزبية جميعاً كان الرفيق سعيد مبدعاً ونشيطاً.

كما عرفت مدينة حمص: معلميها وأحيائها الشعبية، في سعيد الدروبي مناضلاً نشيطاً صلباً، كذلك عرفه ريف حمص، فقد كـُلـِّف بمهام حزبية في عدة قرى نفذها بإتقان واندفاع، كما كانت له مشاركته في العمل التثقيفي الحزبي.

وكان خلال عمله الحزبي، كما يجب أن يكون المسؤول الحزبي دائماً، قادراً على معرفة الحلقة الأهم والتمركز حول ما هو أساسي وجوهري، وقادراً أيضاً على تطوير قدرات الرفاق الذين يعمل معهم والاستفادة منها في نشر سياسة الحزب وفكره وتوسيع تأثيره الجماهيري.

وما يزال الرفاق الذين عرفوه وعملوا معه يتذكرون كيف كان يركز على ضرورة العيش مع الجماهير والانغماس في حياتها للتأثير فيها ودفعها في معترك النضال الثوري، وكم كان يردد: (لا يمكن الحرب من خلال المناظير) قاصداً بذلك أن على المناضل أن يعيش الواقع ويفهمه فهماً عميقاً، كما كان يعلّق بمرح على بعض الرفاق ممن اعتادوا التحرك ببطء، وكان يهتم بمعرفة تفاصيل حياة الرفاق الذين يعمل معهم والإلمام بمشاكلهم كلها. وقبل أن يُعتقل كان مهتماً بأسر الرفاق المعتقلين، يزورها، ويسهر على تأمين حاجاتها، ويهتم بمعنوياتها.

أما على النطاق الجماهيري، فقد كان لسعيد مشاركته الهامة في تنشيط الحركة الجماهيرية في مدينة حمص، وعلى سبيل المثال نذكر أنه قاد حملة التوقيع على عريضة لمطالب شعبية عام 1954 وجمع ألوف التواقيع، وعريضة تتعلق بمطالب المعلمين عام 1958 وانضم إلى المقاومة الشعبية، التي كانت درعاً داخلياً متيناً يعبر عن إصرار الجماهير الشعبية على الوقوف في وجه المؤامرات والمخططات الاستعمارية الرجعية، التي استهدفت استقلال سورية الوطني والحريات الديمقراطية، التي توفرت إلى حد كبير نتيجة النضال الشعبي، ونظراً لنشاط سعيد وتأثيره الفعال، فقد أصبح قائد كتيبة في المقاومة الشعبية، وشارك في أكثر من حملة تبرع للحزب، وعن طريقه اشترك مئات الشباب بجريدة (النور)، التي كان يصدرها الحزب في الخمسينيات.

واصل سعيد الدروبي نضاله داخل حزبه وبين الجماهير إلى أن اعتقل في الرابع عشر من شباط عام 1959.

انتزعه رجال الأمن من مدرسته، وهو بين تلاميذه، ورموا به بين الجلادين، فكان صموده المعروف، وكانت وقفته الشامخة في وجه الذين حاولوا عبثاً تحطيم حزبه وإرادة شعبه.

وتحت التعذيب الوحشي توقف قلبه الكبير عن الخفقان في الخامس عشر من شباط عام ،1959 ولم يستطع القتلة إخفاء الجريمة، فآثار التعذيب على كل شبر من جسد الشهيد وتقرير الطبيب الشرعي كذّبت كل شيء، وفضحت كل شيء.

وبمقدار ما كان رد حمص عظيماً، كان مرعباً للجلادين وأسيادهم، فقد استجابت جماهير حمص لبيان الحزب الشيوعي، الذي أعلن استشهاد ابن حمص البار سعيد الدروبي، ودعا الجماهير إلى تشييعه والتعبير عن غضبها واستنكارها للجريمة النكراء، وتدفق العمال والشباب والنساء بالألوف من أحياء حمص ومعاملها، وأغلقت المدينة متاجرها، وانطلقت التظاهرة التي ضمت نحو ثلاثين ألف مواطن غاضب خلف نعش الشهيد، انطلقت كتلة البشر المتراصين، آلاف الأيدي تلوِّح، وآلاف الحناجر تهتف مستنكرة جريمة المباحث الوحشية، معلنة ثقتها بالحزب الذي نشأ فيه سعيد، وحتمية انتصار إرادة الشعب الذي أنجبه.

 

النور

آخر الأخبار