الشهيد طيب شربك (1925-1945) من حامية البرلمان السوري ضد المحتل الفرنسي
من الصعب أن ينسى الشعب السوري قسوة المستعمرين الفرنسيين منذ أن وطأت أقدامهم التراب السوري، مدججين بالأسلحة الحديثة التي جابهها يوسف العظمة مع ثلة من أبناء الجيش والمتطوعين البررة، وهو يعرف أنه لن يستطيع رد المعتدين، إنما لكي لا يقال إن فرنسا دخلت سورية دون مقاومة.
فرنسا بلد الأنوار والثقافة والعلم، تقصف طائراتها البرلمان السوري، أحد رموز الديمقراطية السورية الناهضة.
عجزت فرنسا عن مواجهة الشعب السوري وثوراته وانتفاضاته واعتصاماته وإضرابه التاريخي المشهود عام 1936 واستخدمت كل ما تملك من توحش المستعمرين وآليات قمعهم للشعوب، وقد قامت بقصف مدينة دمشق يوم 29 أيار 1945 بالقنابل دون تمييز بين مدني وعسكري، وكان من ضحايا هذا القصف الهمجي الشهيد طيب شربك.
المرحوم الشهيد طيب شربك، من مواليد مدينة حمص 1925 من عائلة شعبية في حي باب الدريب، نشأ في ظل نشاط الحركة الوطنية وقيام الثورة السورية الكبرى، وكان الحي الذي نشأ وترعرع فيه أحد المراكز الأساسية للثورة في مدينة حمص. كما كان أحد المراكز الأساسية لتجمعات عمال النسيج اليدوي.. وعائلته من العائلات التي تضم الكثير من الحرفيين وعمال النسيج، لذلك كانت اهتماماته الوطنية والعمالية وليدة هذا الوسط الشعبي الوطني.
نال المرحوم شهادة البكالوريا الأولى والثانية وفق نظام التعليم في ذلك الوقت، وانتسب إلى دار المعلمين عام 1943 وكان قد انتسب قبل هذه الفترة إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري، وكان من النشطاء في صفوف الطلاب والعمال والحرفيين ضد النازية والفاشية، وضد الفكر الرجعي الذي كانت تمثله وتدعو له حركة (شباب محمد) في حمص، نواة الإخوان المسلمين. وكان الرفيق طيب من الكوادر النشيطة القادرة عل نشر أفكار الحزب، وإيصالها إلى أوسع الأوساط التي يعيش داخلها.. من أجل النضال لاستقلال سورية السياسي والاقتصادي، ومن أجل تحسين الوضع المعاشي للجماهير الشعبية. وكان وجوده في دار المعلمين عاملاً مساعداً على ذلك وداعياً لإنشاء مدرسة وطنية للشرطة تقوم بتخريج الملاكات الوطنية المؤهلة وتدريبها للقيام بواجبها الوطني والمسلكي.. وعندما أنشئت هذه الكلية استقال الرفيق طيب من دار المعلمين، وانتسب إلى كلية الشرطة وتخرج فيها برتبة وكيل ضابط، وكان ذلك عام 1945. كُلف بعدذلك بالإشراف على حراسة البرلمان، وكان أحد المسؤولين عن مفرزة الحراسة. وفي 29 أيار 1945 هاجم الفرنسيون الحامية بعد أن رفضت تأدية التحية للعلم الفرنسي، واستبسل الحراس الوطنيون دفاعاً عن المؤسسة التشريعية الوطنية، ولعب الشهيد طيب دوراً كبيراً في هذه المعركة، وكان مثالاً ونموذجاً للقائد الوطني، وقدوة للجنود الذين حذوا حذوه بخوض المعركة ببسالة، إلى أن استشهدوا جميعاً عدا اثنين منهم، وقد مثّل الفرنسيون بجثمان الرفيق طيب ورفاقه الآخرين.
إن معركة البرلمان مازالت وستبقى حية في أذهان السوريين جميعاً، وكانت مأثرة من مآثر بطولات شعبنا، وسجلت لقوى الأمن الداخلي نموذجاً وطنياً في سجل الخالدين، وسطرت أسماء شهداء البرلمان في لوحة الشرف في قاعة الشرف الرئيسية بأحرف من نور تتضمن اسم شهيدنا المرحوم الرفيق طيب شربك.
لن ننسى العمل البطولي الذي قامت به حامية البرلمان، كما أننا لن نغفر لفرنسا همجيتها، ولن نسمح لها بتحقيق أحلامها في العودة إلى وطننا سورية متسترة بكل أشكال الاحتيال بما تقوم به من حماية ودعم للإرهابيين، متحالفة مع مملكة الشر التي تقودها الولايات المتحدة في الإعداد للهجوم على شعبنا وجيشنا، بحجة مقاومة الإرهاب الذي أوجدوه وغذوه وسلحوه على مدار السنوات السابقة.. الشعب العربي السوري وطلائعه الوطنية قادر على كسر شوكة المعتدين اليوم، كما أحبط مخططاتهم بالأمس واستطاع تحقيق الجلاء العظيم.