افتتاحية العدد 990 من “النور” | موازنة عام 2022 زيادة في الاعتمادات والتقديرات.. تواضع الاستثمارات وارتفاع العجز

كتب رئيس التحرير بشار المنيّر:

قدّمت الحكومة، لمجلس الشعب، بيانها المالي حول مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2022، في ظل الأزمة التي ما تزال تداعياتها تعصف بسورية، وهي ظروف استثنائية بجميع المقاييس، فمفاعيل هذه الأزمة، وبخاصة  الاحتلال التركي والأمريكي والحصار الاقتصادي الجائر والعقوبات التي توّجت بفرض (قانون قيصر) التي فرضها التحالف الدولي المعادي لسورية، بقيادة الإمبريالية الأمريكية، والخسائر الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد الوطني بفعل غزو الإرهابيين الذين دمّروا البشر والحجر والشجر، تركت تأثيرها السلبي، على مجمل النشاط الاقتصادي في البلاد، وتأثرت بها القطاعات الإنتاجية العامة والخاصة، إذ تقدر قيمة الأضرار الناتجة عن مفاعيل هذه الأزمة حسب الخبراء الاقتصاديين بنحو 500 مليار دولار. ودخل الاقتصاد الوطني مرحلة ركود انعكست لا على المؤشرات الاقتصادية فحسب، بل انعكست أيضاً على الأوضاع المعيشية لجماهير الشعب السوري، وخاصة الطبقة العاملة والفئات الفقيرة والمتوسطة، إذ ارتفعت نسب الفقر والفقر المدقع والبطالة والهجرة والتسرب من التعليم، وجاء انتشار فيروس (كوفيد 19) في ظل تواضع المنظومة الصحية للبلاد، فزاد من معاناة المواطنين السوريين.

جاء في بيان الحكومة المالي حول مشروع موازنة 2022 حزمة من الأوليات التي ستتركز عليها جهود الحكومة في العام القادم، ولعل أبرزها هو الهمّ المعيشي الذي بات يؤرق الفئات الفقيرة والمتوسطة، وتحول إلى كابوس مرعب، إذ وضعت الحكومة في بيانها المالي (تحسين الوضع المعيشي) في المرتبة الثانية من أولويات مشروع الموازنة، لكن الغائب الأكبر في سلم الأوليات هو الاستثمار الحكومي في القطاع العام الصناعي والمرافق الحكومية.

بلغت اعتمادات مشروع الموازنة 13325 مليار ليرة سورية، أي بزيادة قدرها 57% عن موازنة عام 2021، منها 11325 مليار للعمليات الجارية، و2000 مليار للعمليات الاستثمارية.

 

تضخم الاعتمادات

السمة البارزة في مشروع الموازنة هي تضخم الاعتمادات، الناتج عن تراجع قيمة الليرة السورية أمام القطع الأجنبي، إذ جرى اعتمادها استناداً إلى سعر صرف يعادل 2500 ليرة سورية للدولار الواحد بدلاً من 1250 ليرة سورية للدولار الواحد، وعلى أساس ذلك فالميزانية تعادل نحو5 مليارات و320 مليون دولار حسب السعر الرسمي، مقارنة مع نحو 6 مليارات و800 مليون دولار في موازنة العام الماضي.

يأتي مشروع الموازنة بعد مؤشرات تشير إلى تقليص تأثير أدوات الحكومة على الأسواق، وتخفيض الدعم الحكومي. ونكرّر هنا ما نبّهنا إليه دائماً، إن تهميش تحسين الوضع المعيشي للفئات الفقيرة والمتوسطة، وخلق مناخ اقتصادي واجتماعي يغضب الجماهير الشعبية في الدول النامية المعادية للاستعمار والإمبريالية، كان هدفاً سعت إليه الولايات المتحدة منذ عقود، بهدف تقويض الأنظمة السياسية في هذه الدول، والاستعاضة عنها بأنظمة موالية، لذلك طالبنا مراراً بدعم الفئات الفقيرة والمتوسطة التي تعد الحامل الرئيسي لصمود سورية أمام غزو الإرهاب التكفيري، وهي اليوم الضامن الأكبر لطرد المحتلين الصهاينة والأتراك والأمريكيين من التراب السوري.

تعد الموازنة العامة للدولة خطة مالية، اقتصادية، اجتماعية، لعامٍ قادم، وبهذا المعنى فهي تعبِّر عن نهج الحكومة للتأثير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلد ما، وهي أداة تستخدمها هذه الحكومة للتأثير في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتنفيذ سياستها الاجتماعية، وتحقيق أكبر قدر من الاستقرار، وتؤدي الموازنة في الدول الساعية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دوراً رئيسياً في إعادة توزيع الدخل الوطني بين فئات المجتمع، وذلك باقتطاع نسبة من أرباح ودخول الفئات الأكثر دخلاً، وتوزيعها على مشاريع تستفيد منها جميع الفئات الاجتماعية وخاصة الفقيرة منها، كمشاريع البنية الأساسية والتعليم، والإنفاق الاجتماعي على الفئات الأكثر فقراً، لكن ما عبّرت عنه وزارة المالية حول اعتماد الموازنة على الإيرادات الجارية، أي الضرائب والرسوم التي بلغت نحو 4400 مليار، مرتفعةً بنسبة 25% عن عام 2021، ومقدار العجز البالغ نحو 33% من اعتمادات الموازنة يثير القلق، فما دام الاقتصاد السوري يعاني من الركود، فالبديل هو جيوب المواطنين، وهنا يكمن تخوفنا من رفع معدلات الضرائب المباشرة وغير المباشرة، لتدارك العجز وتراجع الإيرادات العامة، في وقت يذوق فيه 80% من الشعب السوري الأمرّين لتحصيل قوت يومه.

 

ملامح الموازنة العامة للدولة لعام 2022

بلغ الحجم الإجمالي للموازنة 13325 مليار ليرة سورية، بزيادة تبلغ 4825 مليار ليرة عن موازنة عام 2021، خصص منها مبلغ 11325 مليار للإنفاق الجاري و2000 مليار للإنفاق الاستثماري، بزيادة بلغت 7000 مليار للجاري و500 مليار للإنفاق الاستثماري عن موازنة عام 2021، والسؤال هنا: كيف ستحقق الحكومة الفوائض الاقتصادية الواردة في مشروع الموازنة في ظل تدني النفقات الاستثمارية نسبة للنفقات الجارية؟

كنا نتوقع أمام حجم الوعود الواردة في بيان الحكومة أمام مجلس الشعب، أن تكون الأداة هي زيادة الاستثمارات الخاصة والعامة، كي تحصل الحكومة على مزيد من الإيرادات، فالنفقات الجارية لا تؤدي إلى زيادة إيرادات الحكومة، بل الإنفاق الاستثماري في القطاعات المنتجة والمرافق الحيوية.

 

أولاً- الاعتمادات الجارية

1- بلغ إجمالي الدعم الاجتماعي الإجمالي، حسب ما جاء في بيان الحكومة المالي، نحو 5500 مليار ليرة سورية، رغم انخفاض دعم المشتقات النفطية، لأن الحكومة رفعت خلال عام 2021 أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي والصناعي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار جميع السلع المصنعة وطنياً، وزاد من أعباء الفئات الفقيرة والمتوسطة.

خصص لدعم المشتقات النفطية نحو2700 مليار، وهو المبلغ الوارد في موازنة 2021، ولكن حتى اليوم لا أحد يعلم كيف يتم احتساب قيمة هذا الدعم، وما هي الأسس المعتمدة.

وخصص لدعم الدقيق التمويني والخميرة 2400 مليار ليرة، بزيادة قدرها نحو 1700 ملياراً عن عام 2021، رغم رفع الحكومة سعر ربطة الخبز، ورغم معاناة المواطن السوري في الحصول على الرغيف، ويتساءل كثيرون: هل مبالغ الدعم الواردة في مشروع الموازنة واقعية؟ وكيف يجري احتساب تكاليف هذا الدعم؟

2- خصص نحو 1188 مليار ليرة كاعتماد مخصص للرواتب والأجور، بزيادة بلغت نحو 450 مليار ليرة عن موازنة العام الماضي، وبلغت شواغر القطاعين الإداري والاقتصادي نحو 80 ألف فرصة عمل، هذا الرقم لا يتناسب مع عدد الباحثين عن عمل، والذين يلجؤون في أغلب الأحيان إلى الهجرة، وهذا ما يتطلب زيادة استثمارات الحكومة في قطاعها الصناعي والإنشائي لخلق فرص عمل جديدة. وتحفيز القطاع الخاص الإنتاجي ودعمه لتوفير هذه الفرص.

3-قدرت النفقات الإدارية بنحو 1010 مليار ليرة، بزيادة قدرها 95% عن العام الماضي، وتصدرت نفقات النقل والانتقال والمازوت والبنزين والزيوت والشحوم والأدوية، إذ ارتفعت بنسبة تتجاوز 100%، صحيح أن تعديل سعر الصرف أحد الأسباب، لكن المطلوب تخفيض هذه النفقات أكثر فأكثر.

 

ثانياً- الاعتمادات الاستثمارية

1_ بلغت اعتمادات الإنفاق الاستثماري 2000 مليار ليرة، بزيادة بلغت 500 مليار عن موازنة 2021، أعطيت الأوّلية لمشاريع الكهرباء والمياه ومشاريع الإدارة المحلية والزراعة، وهو توجه ينسجم مع احتياجات المرحلة، وكنا وما زلنا نطالب بدعم الصناعة التحويلية في القطاع العام الصناعي، بعد أن همّشت مشاكل هذا القطاع في العقد الماضي، وهذا لا يتحقق دون زيادة الاستثمارات الحكومية في معامله ومصانعه وتطويرها وإنشاء صناعات جديدة.

2- لُحظت زيادة اعتمادات النقل بنحو 13 مليار ليرة سورية عن موازنة العام الماضي، ونأمل أن تكون هذه الزيادة في إطار معالجة معاناة المواطنين السوريين في جميع المدن من أزمة التنقل والانتقال، بسبب غياب قطاع النقل الحكومي، ونتمنى أن تحول هذه الاعتمادات إلى شراء وسائل نقل جماعية، وأن لا يخصص منها لشراء السيارات السياحية للمسؤولين والمحظوظين.

3- خصص ضمن الاعتمادات الاستثمارية مبلغ 670 مليار ليرة كاعتمادات احتياطية للمشاريع الاستثمارية، ونأمل أن تصرف هذه الاعتمادات، على تكملة المشاريع الاستثمارية، وإقامة مشاريع جديدة. نحن مع تنفيذ المشاريع المحددة في الموازنة بتكلفتها الواردة فيها، والتدقيق في كل كلفة إضافية، ومتابعة مراقبة تنفيذ هذه المشاريع عن طريق تقارير التتبع الربعية، واستخدام هذا الاحتياطي لإصلاح القطاع العام الصناعي، وإنشاء مشاريع صناعية جديدة.

 

ثالثاً- الإيرادات العامة

بلغت الإيرادات المقدّرة في المشروع مبلغ 9207 مليار ليرة سورية، مرتفعة من 6016 مليار ليرة في موازنة 2021، منها 4397 مليارات إيرادات جارية و4809 مليارات إيرادات استثمارية.

صحيح أن تراجع الإيرادات العامة الناتج عن مرحلة الركود التي يمر بها اقتصادنا الوطني يمارس تأثيره على الإنفاق الجاري والاستثماري للحكومة خلال السنوات العشر الماضية، ويحجم دورها في خلق فرص العمل، وزيادة الاستثمار في القطاعات الاقتصادية العامة، لكن هذا التراجع يمكن التخفيف من آثاره عن طريق تحفيز المشاريع الصغيرة، وتعديل التشريعات الضريبية وملاحقة المتهربين ضريبياً.

1-بلغت نسبة زيادة الضرائب والرسوم المباشرة 25% عن موازنة العام الماضي، لكن الغريب في موضوع الإيرادات الجارية هو عدم تقديم تفصيل عن هذه الإيرادات لأول مرة في الموازنات العامة للدولة!

إذ اكتفت الموازنة هذا العام بذكر تقديرات الضرائب والرسوم 4357 مليار، دون توضيح حجم الضرائب المباشرة على الأرباح الحقيقية والريوع، وحجم الضرائب والرسوم غير المباشرة، مما يجعلنا نشكك بارتفاع الضرائب غير المباشرة، ذات التحصيل السريع، والتي تفتقد إلى العدالة إذ يتساوى في دفعها الفقراء والأغنياء، ونحن نطالب بتخفيض هذه الضرائب كشكل من أشكال دعم الفئات الفقيرة والمتوسطة.

هناك من استغل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها بلادنا، وراكم أرباحاً فلكية عن طريق الاحتكار، ورفع أسعار المواد والسلع الأساسية، مما يستوجب ملاحقته ضريبياً، كذلك نرى أهمية ملاحقة المتهربين المزمنين من دفع ضرائب الأرباح والريوع والدخل المقطوع، بهدف زيادة حصيلة الضرائب المباشرة التي تعد الضريبة الأكثر عدلاً.

2-ارتفعت الإيرادات لاستثمارية بنسبة 53% عن ايرادات العام الماضي وبلغت 4810 مليارا ليرة، فزادت إيرادات الفنادق وحقوق الدولة من الفوائض الاقتصادية وحقول النفط والهاتف النقال، لكن هذه الزيادة لا تتناسب مع ملكية الدولة للقطاع العام والمرافق والمشاريع المختلفة، وهذا ما يتطلب زيادة الاستثمارات الحكومية، وتطوير الإدارات في هذه القطاعات.

 

رابعاً- عجز الموازنة

كيف السبيل إلى خفض العجز في مشروع الموازنة البالغ نحو 4118 مليار ليرة، أي بنسبة 35%، مرتفعاً من 2484 مليار ليرة سورية في موازنة العام الماضي؟ هل عن طريق سندات الخزينة، أم اللجوء إلى القروض، أم فرض ضرائب ورسوم جديدة تزيد من أعباء المواطنين؟

مشروع الموازنة وضع بعض الخطوات: كزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وزيادة الفوائض الاقتصادية، وترشيد الإنفاق العام، ووقف الهدر، وتوجيه الدعم الحكومي لمستحقيه، وإجراءات أخرى، لكن هذه الخطوات غير كافية حسب اعتقادنا، لذلك نرى ضرورة وقف التكسب من الأموال العامة، ومكافحة الفساد الذي يفوِّت على خزينة الدولة مليارات، وترشيد استيراد المواد والسلع من الخارج، وعودة الدولة بقوة إلى ممارسة دورها في العملية الاقتصادية إنتاجاً وتسويقاً داخلياً وخارجياً عن طريق مؤسساتها المتخصصة التي همشت طويلاً، وحل مشكلات القطاع العام الصناعي، وتسهيل إقراض الصناعيين الصغار والحرفيين وأصحاب المعامل والورش الصناعية الصغيرة في المناطق الآمنة.

إنها ملاحظات سريعة على مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2022، التي وضعت متأثرة بالظروف الصعبة في البلاد، بعد أزمة عاصفة وحصار ظالم وتدخّل مباشر من الحلف المعادي لسورية، وغزو إرهابي سعى إلى تهديم كل ما بنته الأيدي السورية الخيرة على مدى عقود، ونحن على يقين بأن إنهاض اقتصادنا الوطني مرتبط أولاً بنجاح المساعي الدولية لحل الأزمة السورية سلمياً، وثانياً بالعمل على إعادة الإعمار بعد نجاح المساعي السلمية وفق خطة حكومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة، بالمشاركة مع الرساميل الوطنية المنتجة، والاعتماد على الإمكانات الذاتية الكامنة في قوة وصلابة شعبنا، ومواردنا الغنية، وأيضاً على مساعدة الدول الصديقة.

أخيراً.. إن هدف الموازنة يجب أن يتركز على تخفيف أعباء أكثرية الشعب، فهو الداعم الرئيسي لجيشنا الوطني الباسل في مقاومته للاحتلال، ومواجهة نوايا التقسيم، والحفاظ على السيادة السورية ووحدة البلاد أرضاً وشعباً.

basharmou@gmail.com

آخر الأخبار