توافق واشنطن.. “التكييف الاقتصادي والتثبيت الهيكلي”

المعروف أن سياسات التكييف الاقتصادي حديثة العهد نسبياً، وتعود بذورها إلى برنامجي قروض الإصلاح الهيكلي ” sals ” وقروض الإصلاح الهيكلي القطاعي ” secals “ اللذان أطلقهما المصرف الدولي عام 1980 ليدخل بذلك ميدان السياسات الاقتصادية الكلية التي كانت حكراً على صندوق النقد الدولي، وبعد انفجار أزمة المديونية الخارجية عام 1982 حينما توقفت المكسيك والبرازيل وتشيلي والأرجنتين عن سداد أعباء ديونها الخارجية، وأعلنت اثنتان وعشرون دولة مدينة عدم قدرتها على الوفاء بأعباء ديونها، وما تلا ذلك من مفاوضات لحل هذه الأزمة، أنشأ صندوق النقد الدولي برنامج التسهيل التمويلي للتصحيح الهيكلي عام 1986 لتقديم قروض ميسرة للدول منخفضة الدخل لمساندة سياسات التصحيح الاقتصادي الكلي المتوسط الأجل والإصلاحات الهيكلية، وتلا ذلك إنشاء صندوق النقد الدولي لبرنامج التسهيل التمويلي المعزز للإصلاح الهيكلي عام 1987، الذي تم تمديده وتوسيعه في عام 1994 بالتعاون مع وزارة الخزانة الأمريكية كنموذج موجه للبلدان الاشتراكية سابقاً والدول النامية، بهدف إعادة هيكلة اقتصاداتها باتجاه اقتصاد السوق الحر، وليتحول بعدها إلى ما اصطُلح على تسميته (توافق واشنطن) .

تتألف برامج التكييف الاقتصادي من جزأين هما برامج التثبيت الهيكلي وبرامج التكييف الاقتصادي، ويقصد بالتثبيت الهيكلي جملة من السياسات قصيرة المدى، وتهدف إلى خفض التضخم واستعادة قدرة العملة على التحويل، وتجديد خدمة الديون، وهي تتضمن إجراءات لتقليل النفقات العامة وتخفيض اعتمادات الدعم والرعاية للفئات الفقيرة، فضلاً عن تطبيق سياسيات مالية وائتمانية ونقدية انكماشية صارمة من أجل إصلاح عدم التوازن الخارجي المتعلق بالميزانية.
كما يقصد بالتكييف الاقتصادي مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تحرير الاقتصاد والتجارة من خلال رفع السيطرة والضبط وإتباع الخصخصة وتطبيق سياسات موجهة نحو التصدير وإجراء تعديلات على هيكلية الاقتصاد الوطني باتجاه تضخيم حجم القطاع الخاص، وإزالة العوائق أمام سيادة اقتصاد السوق الحر 
(1)       

ويمكننا اختصار الإجراءات التي يوصي بها أطراف توافق واشنطن بما يلي :

1 – انضباط المالية العامة  بتخفيض  عجز الموازنة  عن طريق تقليص الإنفاق العام لاسيما الدعــم الاجتماعي، وفرض رسوم على الخدمات العامة التي كانت مجانية، وتطبيق مبدأ استرداد التكلفة، وتحرير  أسعار الفائدة، وإلغاء القيود على انتقال رؤوس الأموال .

2- حصر الإنفاق العام نحو البنية الأساسية والتعليم والصحة،دون الاستثمار المباشر في عمليات إنتاج السلع  والخدمات، والحد  من التهرب الضريبي عن طريق تخفيض معدلات الضرائب المباشرة  وتوسيع القاعدة  الضريبية، وإصلاح نظام الصرف الأجنبي  وترك أسعار التعادل للعرض والطلب .

3 – تأمين حقوق الملكية، وطمأنة رؤوس الأموال بموجب نص  دستوري يمنع مصادرتها أو  تأميمها، وتفكيك التسعير الإداري، ومنح  الائتمان، و عدم توجيه القطاع العام وإفساح المجال لقوى السوق لتعتني بهذه المسائل  .

4 – تحرير التجارة الخارجية، وإلغاء القيود على الصادرات والواردات وتخفيض الرسوم الجمركية، وعدم  إلزام  المستثمرين الأجانب بشراء نسبة معينة من الإنتاج المحلي، أو بتصدير نسبة معينة إلى الخارج .

5 – الخصخصة عن طريق بيع  المؤسسات الإنتاجية أو الخدمية المملوكة  للدولة والمصارف وشركات التأمين العامة، وحصر وتقليص دور الدولة  – حكومة صغيرة  – بإحالة مشاريع البنية الأساسية إلى القطاع الخاص وفق أسلوب  B.O.T .

6 – تحرير الاستثمار الأجنبي بإلغاء  قيود نسب التملك للرأسمال الأجنبي في الشركات الوطنية، وكذلك قيود تحويل الأرباح  أو رأس المال إلى الخارج،والقيود التي تحد من تعامـلات الأموال الأجنبية  في البورصة.     (2)

وبالمناسبة، هذه الإجراءات كانت في صلب الاقتراحات التي تقدمت بها بعثة صندوق النقد الدولي إلى سورية في عام 2010، أثناء مباحثات المادة (4) من نظام صندوق النقد الدولي.

 

المراجع:

1 – راجع د.يوسف عبد العزيز محمود .

2- راجع  د.إبراهيم  العيسوي – ندوة الثلاثاء الاقتصادية 23 /5 /2006 /.

 

basharmou@gmail.com

آخر الأخبار