تقرير المكتب الفكري عن (العمل الفكري والتثقيف الحزبي) المقدم لاجتماع اللجنة المركزية بتاريخ 25 آب 2022

لقد أكدت مؤتمرات حزبنا المتعاقبة مرجعيتنا الفكرية، وهي الاسترشاد بالماركسية اللينينية والفكر الاشتراكي العلمي، ولا نزال نحافظ على ذلك، وجوهر الماركسية هو المنهج المادي الجدلي التاريخي، الذي نعتمده منطلقاً أساسياً في تفكيرنا وتحليلنا للأحداث، وفي دراسة الواقع. ونأخذ بقوانين التطور ومنجزات العلم، وبأن وقائع الحياة المتغيرة باستمرار تُغْني الفكر، وتفترض النظر دائماً بروح انتقادية، بعيداً عن الجمود والتزمت، وعبر اجتهادات وحوارات فكرية منفتحة، تركّز على رفع الوعي الاجتماعي، ولا تنفصل عن الممارسة النضالية، وعن هموم الشعب والوطن، وتقبّل الجديد ورعايته.

فالثقافة ثمار الحضارة الإنسانية، ووعاء الفكر الإنساني منذ كانت الخليقة، وشكل تطورها، وهي مفتاح عملية التنوير والارتقاء بالوعي العام للشعب. وغدا إنتاج المعرفة وامتلاكها، ومعرفة استثمارها وتطبيقها، هو الثروة الجديدة في عالم اليوم.

وتشكل الجبهة الثقافية جزءاً من المعركة التي تخوضها قوى التحرر الوطني ضد الإمبريالية والرجعية، ومن أجل التقدم الاجتماعي.

ويشكل الصراع الفكري جزءاً من الصراع الطبقي. ويتمثل بالصراع بين الثقافة الوطنية من جهة والثقافة اللاوطنية من جهة أخرى، بين الثقافة الشعبية الأصيلة والثقافة الاستهلاكية، بين العلمانية والغيبية. وتسعى البرجوازية الطفيلية والقوى الظلامية لمحاصرة الثقافة التقدمية الشعبية، ونشر هيمنتها الثقافية. ولكن القوى التقدمية تطور مواجهتها الفكرية والثقافية من خلال نشر أفكارها بين الجماهير وفق مقولة ماركس (إن الأفكار إذا دخلت عقول الناس أصبحت قوة مادية).

ولذلك نعتقد أن مسؤولية المواجهة في هذا الصراع، وخلق الثقافة الوطنية التقدمية ونشرها، تقع لا على عاتق العاملين في المجال الفكري والأدبي والفني فقط، بل هي أيضاً مسؤولية كل الوطنيين والتقدميين، وكل الأحزاب التقدمية، والمنظمات الديمقراطية الشعبية.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة دول شرق أوربا، رفعت العولمة في ظل هيمنة القطب الأميركي الأوحد وتيرة العداء والدعاية المضادة للأفكار الاشتراكية واليسارية وللثقافة الوطنية، زاعمة خلود انتصار النظام الرأسمالي، وسيادة الحضارة والثقافة الغربية المتجاوزة للحدود، وعملت على إلغاء هوية الثقافة الوطنية، إننا نرفض هذه العولمة المتسمة بالهيمنة الإمبريالية الأمريكية المتوحشة.

ونرى أن العولمة المطلوبة اليوم هي عولمة الإنجازات العلمية والمعرفية والثقافية والقيم الإنسانية الرفيعة.

وقد هيأت ظروف هيمنة القطب الأمريكي لنشاط الأفكار النيوليبرالية في بلادنا، واشتداد والهجمة المضادة على الفكر اليساري، لمحاصرته وإضعافه، واستغلت القوى الظلامية هذا الصراع، وعملت على إنعاش منظومات الأفكار ما قبل المدنية من دينية متطرفة، وطائفية، وغيبية، وعشائرية، وإثنية، وجهوية.

ورافق ذلك ضعف حضور الشعارات والإيديولوجيات القومية والعروبية، حتى كادت تختفي، وضعف نشاط القوى والأحزاب الحاملة لها وامتدادها.

وغدا كل بلد عربي يسعى لحماية وحدته الداخلية، وتأكيد وجوده بضمانات الدول الغربية وحتى إسرائيل. وانقسمت قيادات العمل القومي ودخلت في صراع فيما بينها، واختفى بعضها. فالأحزاب السياسية القومية التي جعلت شعار الاشتراكية من أهدافها، وما يقتضيه من تجاوز الأطر الضيقة، والاهتمام بالعدالة والمساواة، قد حمل الكثير من أعضائها انتماءاتهم القبلية والعشائرية والطائفية، وانعكس ذلك في سمات قوى نافذة فيها، وشكلت عائقاً أمام تطبيق برامجها الطبقية الاجتماعية في العدالة والمساواة، التي في أساس تكوينها، ثم أهملت التمسك بها. وتبنّى كثير من القوميين مفاهيم وطرائق إسلامية.

ويمكن القول الآن إن اليساريين، وفي مقدمتهم الشيوعيون، هم الآن أبرز القوى المدافعة عن أفكار التضامن ووحدة الصف العربي.

وفي الإطار القومي يستمر وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي ودعوته

إلى نهوض الأمة السورية. وكذلك وجود تيارات تعيد إبراز الحضارات والثقافات التي نشأت على الأرض السورية (بلاد الشام) قبل الحضور الإسلامي مثل: الأشورية الكلدانية والسريانية والكردية والمسيحية، نشطت كرد فعل على الدعاة الإسلاميين وتجاهلهم لأي وجود حضاري أو ثقافي لغير الحضارة الإسلامية.

وطال هذا التراجع أيضاً انتشار الفكر الماركسي، فانحسرت الكتب والمراجع الماركسية واليسارية من المكتبات العامة في الأسواق، وانخفض تداولها.

ونشأ تيار انهزامي صدم من انهيار التجربة السوفيتية، وممّا آلت إليه الأوضاع المتردية في بلادنا. فانهارت آماله، وسيطرت عليه حالة سوداوية، متشككة بأية أفكار تقدمية، مدعياً لذاته الواقعية المرتسمة في الواقع، والتخلي عن الأحلام الطوباوية (كذا..)، فاقداً الأمل بالتغيير، وينتقد أي فكرة أو مبادرة تدعو إلى تصليب النضال من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية والاشتراكية. ولا يطرح أي رؤى بديلة جديدة، بل ديدنه مسبّة الظلام، وأحياناً بغطاء من التطرف اليساري الطفولي. واتخذ بعض أولئك موقع الردة، والانتقال إلى الإيمان بالفكر الرأسمالي، وبعضهم يسعى لتقديم صكوك غفران، بالإعلان عن تخليه عن مبادئه، سالكاً الطريق الأسهل للتقرب من السلطات، التي سعت هي دائماً للتضييق على نشاط الشيوعيين، وتشديد الرقابة على الفكر التقدمي، مما أفسح المجال الرحب لانتشار الفكر النكوصي الرجعي والسلفي الغيبي، فامتلأت المكتبات بالكتب الدينية والغيبية، وتسويق أفكار التنجيم والأبراج والإفتاء المقيد بالنص، وغيرها… ونشطت الجمعيات والتنظيمات الدينية والطائفية المتنوعة، وأقبل الشباب والشابات على التقيد بمظاهر وشارات التدين في اللحى والحجاب، والاحتشاد في الجوامع والأماكن الدينية، وعلى دروس ما سمّي الدعاة، والشباب الديني، والقبيسيات، برعاية من وزارة الأوقاف، وبلغ أوج ذلك ما شهدته بلادنا في سنوات الأزمة من مطلع العقد الثاني من القرن الحالي من أقصى أعمال التطرف والتعصب من قبل المنظمات الإرهابية، كتنظيم الدولة، والقاعدة، والنصرة، والوهابية، وأحرار الشام، والإخوان المسلمين.. والمتمثلة بأعمال القتل والذبح والإقصاء، وفرض الفكر الواحد واللون الواحد، ونمط للحياة يعود لأربعة عشر قرناً مضى، وإلغاء الآخر وصولاً إلى قتل رجال العلم والفكر، وتدمير الرموز الثقافية، والتراث الحضاري للبلاد، وتهديد حياة الناس ومستقبل البلاد برمته، وقد تلقّت الدعم الكبير من القوى الإمبريالية والرجعية العربية.

ويمكن القول إن جوانب أساسية من الحالة الراهنة للفكر تتميز بالتراجع المعرفي الحداثي الإنساني، وانتشار الأفكار الغيبية المتخلفة. ويراد أن تكون الأبواب موصدة في وجه مفاهيم الحرية والعقلانية والديمقراطية والمواطنة والعلمانية، بينما الأبواب مشرعة للأفكار السلفية وتكريس فلسفة التخلف التي تقوم على التلقين والإملاء، وبالتالي الإذعان دون نقاش أو نقد، ولا تزال اليقينيات الإيمانية تسيطر على مفاهيم أوساط واسعة من شعبنا على حساب الافتئات على أعمال العقل والاجتهاد في العلم والفلسفة.

ولكن يمكننا التأكيد أن الأفكار التي تصمد للحياة هي فقط التي تعكس الواقع المادي، وتعمل على تطويره، وتتطور معه. وأي أفكار لا تستند إلى أسس نظرية ومنهجية، ولا تنطلق من الواقع الملموس، لا تعدو أكثر من طلقة في الفراغ لا تصيب الهدف.

ولذلك نؤكد مجدّداً أن الماركسية ليست عقيدة جامدة، بل هي منهج للتحليل وفهم الواقع الاجتماعي وتبيُّن قوانين تطوره، من أجل تغييره، وعِلمية الماركسية وحيويّتها لم تكن نتاج عبقرية ذهنية مجردة، بل هي انعكاس للموقع الذي تحتله الطبقة العاملة تاريخياً في الإنتاج. والماركسية لم تصنع هذه الطبقة، ولكن تعمل على وعيها لذاتها ولدورها، وإعدادها فكرياً وتنظيمياً، وتعبئة قواها لإنجاز مهمتها: الإطاحة بنظام الاستغلال الرأسمالي، وبدء مسيرة الانتقال إلى الاشتراكية.  وتؤكد الماركسية السمة النسبية والتاريخية للمعرفة، ولا تقدم وصفات جاهزة ونهائية مكتملة، بل تغتني بالخبرات المتراكمة عبر الممارسة الثورية للطبقة العاملة وحلفائها خلال السير نحو إلغاء المجتمع الطبقي.

ومهمة القوى الماركسية هي تحديد طرق العمل على تغيير الواقع وتطويره باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية الأعمق، مع الاحتفاظ بالإنجازات الديمقراطية السياسية التي حققها الفكر الليبرالي البرجوازي، وتطويرها باتجاه الديمقراطية الاجتماعية، التي تحقق مصالح الطبقات الشعبية المنتجة، والتوزيع العادل لنتائج العمل والثروة.

إن جماهير شعبنا تعاني من الطغيان السياسي الذي يتحكم بسلطة الدولة ويستبعدها عن المساهمة في صياغة القرار من جهة، ومن الطغيان السلفي الرجعي من جهة أخرى، الذي يتحكم بالرأي العام، ويسعى لتحويله إلى كتلة معطلة وتابعة. وكلاهما ينفيان حرية المواطن واستقلالية تفكيره ووعيه النقدي، وبالتالي يتماهى ويتكامل احتكار السلطة واحتكار الحقيقة، بل واحتقارها، ويتكرس الاستبداد والتخلف.

ونتيجة للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، سياسة السوق المنفلتة من أي قيود اجتماعية، أو أهداف تنموية موجهة، مع التخلي عن الدور الرعائي للدولة، وعن تنمية الفروع الزراعية والصناعية، والذهاب إلى الانفتاح على الأسواق الرأسمالية، وممالأتها لأصحاب الرأسمال؛ فقد اتسعت الفجوة بين القلة من فئات الأثرياء، من البرجوازية الكمبرادورية، والعقارية، والمالية، والبيروقراطية، وأمراء الحرب والمافيات….من جهة، والأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية التي تعاني من كل أشكال القهر والإفقار، في عيشها وصحتها وتعليمها. ومن عدم الأمان في حاضرها، وعدم الاطمئنان على المستقبل، ويتضاعف الإحساس بذلك لدى المثقفين الحقيقيين، من مفكرين وكتاب وأدباء وفنانين، بسبب التضييق على مجالات الإبداع والنقد والحوار، وتُستنزف البلاد بالهجرة من كوادرها العلمية والتقنية وخبرائها، ومن طاقاتها الشابة، فهي تفتقد الأجواء الديمقراطية والضمانات الكافية للباحثين بألا تطولهم فتاوى التكفير والقتل وإرهابهما، ويتجرأ نائب رئيس جامعة دمشق، مثلاً، على القول: (من لا يملك المال الكافي لا داعي أن يدرس الدكتوراه، ومن الأفضل أن يترك المجال لغيره ممن يملك المال). ويصرّح معاون وزير التعليم العالي بأن (رفع الرسوم للطالب الراسب هي عملية تحفيزية له).

ويلاحظ أن الحالة الفكرية في البلاد تعاني ضعفاً بل استعصاء في الإنتاج المعرفي الفلسفي والعلمي، وتغيب عن الساحة السورية مراكز الدراسات والأبحاث العلمية الجدية. وحتى الجامعات تفتقد لدورها المعرفي والعلمي في مساعدة أصحاب القرار في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، وغياب المعطيات العلمية للتنبؤ بالأزمات قبل وقوعها، وطرق الوقاية منها ومعالجتها.

وانحسرت إلى حدّ بعيد اتجاهات الآداب الواقعية، واصطبغ أكثرها بالذاتية والوجدانية. فأكثر موضوع تتناول الدراما السورية هو الماضي، وعاهات الحاضر، ولا تظهر رؤية أو مشروعاً يدعو للنهوض، والتأسيس لمستقبل أفضل، ونرى أن مصير أي اتكاء فكري على الماضي لا يؤسس لنهوض هو عزاء لا طائل له، وبكاء على الأطلال، فالخطاب السديد يتعامل مع المستقبل. وكذلك يغرق كثير من الشعر بالرمزية والتورية، ويكاد ينفصل عن هموم الجماهير، ويفتقد لتفاعلها، بينما نعتقد أنه لا يحمل المجتمع إلى النهوض إلا قوى ديمقراطية تقدمية ثورية تمتلك جرأة التغيير الجذرية، ولا يلحظ لدى الأحزاب الموجودة نشاط أو برامج في التثقيف الأيديولوجي والطبقي في حياتها الداخلية. وتكتفي فقط بتداول خطب زعيم الحزب.

ورغم انتشار المراكز الثقافية إلا أن روادها من فئة كبار السن، وتفتقد غالباً لحضور جيل الشباب. ويقتصر إنتاج أصحاب الفكر الليبرالي على إظهار الإعجاب بمنجزات الغرب الرأسمالي، وترجمة مؤلفاته ونقلها، ويتغافلون عن تاريخه الاستعماري، والتوحش الامبريالي، وتهديد السلم الدولي.

ونشير إلى أنه تطغى عندنا إلى حد كبير ثقافة مسطحة، تكرّس السائد، وتزيّن الواقع الطبقي المسيطر، يساندها إعلام مماثل، محتكَر للقوى السائدة باتجاه واحد ووحيد. وبسبب جائحة كورونا أوقفت الطباعة الورقية للصحف والدوريات، مما أفقد القراء مصادر لمعلوماتهم.

وغدا النشر الالكتروني على وسائط التواصل الاجتماعي يستحوذ على اهتمام أوساط واسعة من الناس، وخاصة الشباب، ويستهلك الجزء الأكبر من الوقت، ويُهجر إلى حد كبير الكتاب والمراجع البحثية والدراسات، وحتى في الجامعات والمعاهد العليا، أصبح نادراً أن تشاهد طالباً يحمل كتاباً أو مرجعاً، وإنما تقتصر متابعته على الملخصات والمختصرات والنوطات التي تعدها دكاكين للمتابعة والاتجار بها ، ولا تزال كل المدارس والمعاهد التعليمية تتبع طرق التلقين والإملاء، وتدرّس الغيبيات الإيمانية، على حساب إعمال العقل ومنهج البحث والتفكير النقدي العلمي الإبداعي المنتج والمتجدد، والمواكب لتطور العلوم والتكنولوجيا والمعرفة. ولذلك نشهد شبه أمية ثقافية في أوساط من حملة الشهادات التعليمية والجامعية، بسبب الاقتصار على التحصيل الدراسي المقرر رسمياً، وتقويمه من خلال امتحانات تختبر القدرة على الحفظ والتذكر، وتغفل بناء شخصية الفرد كمحور للإبداع الفكري والابتكار والإنتاج.

وأدت ظروف الأزمة، ونزوح المواطنين من مساكنهم إلى بروز أمية كاملة لدى أبنائهم الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس، وخاصة في المناطق التي خارج سيطرة الدولة.

إننا نؤكد أن العلم هو الطريق الأوحد للنهوض بالبلاد. ولذلك تحتاج مناهجنا التعليمية، وطرق التدريس، والامتحانات، إلى تطوير وتحديث.

وبداية ذلك هو المحافظة على ديمقراطية التعليم ومجانيته التي تراجعت نسبياً لصالح التعليم الخاص المأجور. وضرورة رعاية الدولة اللازمة للمعلم والمؤسسات التعليمية مادياً ومعنوياً، والتوقف عن تحويل التعليم إلى استثمار رأسمالي.

إن تقصير الدولة عن تطوير الاستثمار في قطاعات التربية والتعليم، وعدم الاهتمام بتوفير فرص العمل لحملة الشهادات العلمية، وتركهم يواجهون جشع القطاع الخاص الرأسمالي، يشكل تخلّياً عن أهم مهامها في التنمية البشرية، وبناء الإنسان، ويولّد توتراً اجتماعياً، وإضعافاً لحصانة البلاد.

ونشير إلى أن البعض ينبهر ببعض المفاهيم والمصطلحات، ويطلقون أحكاماً مطلقة مثل: (نهاية عصر الأيديولوجيات) و(نهاية الأحزاب الأيديولوجية). ولا يدركون أن ذلك بحد ذاته هو مفهوم أيديولوجي للنيوليبرالية المعولمة. فما دام المجتمع منقسماً إلى طبقات، فأي رؤى تتجاوز ذلك، ليست إلا وهماً أيديولوجياً يخدم مصالح طبقة أخرى. ولذلك يمكننا، أن نؤكد، انه لا يوجد حالة جمود أو ثبات في الواقع، فالحركة هي الثابت الوحيد، فما دامت الحركة دؤوبة، فالوقائع تتغير، ومحركها هو التناقض. فإلى جانب ما تطرقنا إليه من الواقع الفكري والثقافي، يوجد في بلادنا تيارات يسارية وديمقراطية واسعة في الأحزاب والنقابات العمالية والمهنية، وفي الجمعيات والروابط والاتحادات الأدبية والفنية، وفي النوادي والتجمعات، وشخصيات علمية واجتماعية في مختلف الأوساط الشعبية، بين الشباب والنساء والرجال، وتطرح رؤاها الفكرية المتقدمة، من أجل التغيير والتطوير، وتقوم بنشاطاتها من خلال مؤسساتها وعلى المنابر العامة، كذلك خلال التجمعات والصالونات الخاصة.

ونشير إلى أن معاناة الناس مع ممارسات التنظيمات الإرهابية، خلال سنوات الأزمة قد أقنعت أوساطاً أوسع من السابق، بضرورة الوقوف ضد الفكر المتطرف، وضرورة تجفيف منابعه، من خلال إصلاح التعليم، وتنقية المناهج مما يخالف المفاهيم الإنسانية، ويتنافى مع العقل والعلوم، ومع بناء الدولة العصرية الديمقراطية العلمانية، دولة القانون والمواطنة المتساوية.

ومنذ مطلع القرن الحادي والعشرين بدأت تتنامى في العالم القوى الساعية إلى عولمة ديمقراطية عادلة وإنسانية، تقوم على حوار الثقافات والحضارات، وتأسيس العلاقات بين الشعوب والدول على قواعد سلمية متكافئة، ومن مصلحة شعبنا أن تشغل بلادنا موقعاً فاعلاً ومؤثراً في بنائها، إلى جانب قوى السلام والحرية والتقدم والاشتراكية في العالم.

ولا بد من ملاحظة صعود قوى عالمية وازنة، تفرض وجودها على الساحة الدولية في وجه الهيمنة الأمريكية؛ كدول البركس، وبينها قوى لليسار كالصين والعديد من دول أمريكا اللاتينية، ويترافق ذلك مع عودة لانتشار الفكر الماركسي.

فرغم عمل الرأسمالية لتكريس نظامها نهاية للتاريخ، إلا أن الشعوب تريد نهاية الرأسمالية وإرثها الاستعماري، والخلاص من حروبها، والانتقال إلى مرحلة جديدة من العدالة، وصيانة السلم الدولي.

 

أيها الرفاق:

  إن التحديات تتطلب من الثوريين الصمود والمجابهة على الجبهة الفكرية والثقافية كما هي على الجبهات الأخرى، واقتراح طرق متجددة لتعزيز النضال الجماهيري، في سبيل التغيير، والتقدم دائماً لتحقيق الحرية والعدالة. ويمكن أن نذكر بعضاً من المهام التي يجب النهوض بها في هذه المرحلة.

  • نؤكد أهمية إيلاء اهتمام دائم لتعزيز ثقافة الرفاق بالفكر الماركسي، ومنهجه البحثي، وتمكين هيئات الحزب من القدرة على المساهمة في معالجة القضايا الفكرية والاجتماعية المطروحة أمام شعبنا ووطننا. وعلى أعضاء اللجنة المركزية أن يكونوا قدوة بذلك.

ويبدو أن اهتمام الرفاق بالتثقيف الذاتي قد تراجع منحاه في السنوات الأخيرة. وقلة من الرفاق يسعون لتعميق وتطوير ثقافتهم ومعارفهم واطلاعاتهم.

والأقل بينهم أيضاً من ينتج أفكاراً متجدّدة. والواجب الحزبي يفرض على جميع الهيئات العودة للاهتمام بوضع البرامج الواقعية للتثقيف الحزبي.

  • و من أولوياتنا الدائمة العمل لتعميق الثقافة الوطنية والطبقية والتقدمية ونشرها بكل الوسائط المتاحة. وأن يترافق ذلك مع التجديد بتحرير عقولنا من الجمود الفكري، ومن أطر العادة، وعدم الركون للسائد منها، من خلال منهجية نقدية علمية متطلبة. وعدم التهاون في مجابهة الأفكار الرجعية والظلامية، والمعادية للتقدم، أو الممالئة للاستبداد والاستغلال.
  • ومن الأهمية بمكان أن يسعى الرفاق باستمرار لاكتساب المعارف والثقافة العامة. وعدم الاقتصار على الأفكار الماركسية، وأن يولوا اهتماماً لتوطيد العلاقة مع الكتاب والأدباء والمفكرين، وكل العاملين في الوسط الثقافي والفني، والتواصل مع المؤسسات والمنابر الثقافية الرسمية والأهلية، ومواكبة نشاطاتها، والمساهمة فيها، وإتقان ثقافة الحوار، واحترام الآخر.

مما يساهم في تضافر الجهود لرفع الوعي ونشر الفكر العلمي والعقلاني، ومجابهة الفكر النكوصي والتطرف، وهناك بعض الصفحات والمواقع على وسائل التواصل الاجتماعي ذات صفة تقدمية يسارية وعلمانية. يمكننا المساهمة فيها، والكتابة إليها مثل: التجمع العربي للتنوير، التيار العلماني الديمقراطي، الاشتراكية، أصدقاء اليسار الديمقراطي …وغيرها.

  • و نؤكد أن حزبنا يملك وثائق ودراسات ومنشورات هامة، وخاصة الوثائق الصادرة عن مؤتمراته. فمن المفيد العودة لها ودراستها، وإيصالها للآخرين، وكذلك لدى الأحزاب الشيوعية الشقيقة منشورات تفيد تحركنا الثقافي. وعلينا عدم التردد في إيصال وثائقنا للآخرين وخاصة للفئات الشابة، التي تبحث عن دليل ينير لها أفق التطور.
  • بالتوازي مع عمل الحزب لتوحيد جهود القوى اليسارية في البلاد. فقد دعا المكتب الفكري عدداً من الباحثين لطاولة مستديرة بعنوان (الثقافة اليسارية في الظروف الراهنة) ولم نتمكن من نشر موادها حتى الآن بسبب الكلفة المادية. ويمكن للمكاتب الفكرية في المنظمات القيام بأنشطة مماثلة، بل يمكن تحويل مقرات منظمات الحزب في كل المحافظات لمنابر وملتقيات ثقافية، لتوطيد العلاقات مع الأوساط الثقافية والشعبية. وقد تشكلت مكاتب ثقافية في منظمات الجزيرة وحلب وطرطوس ودمشق وريف دمشق والسويداء، وعلى المنظمات الباقية أن تبادر سريعاً لتشكيل مكاتبها، وتفعيل نشاطها.
  • أن التزام حزبنا بالخيار الاشتراكي يتطلب منا دراسة التجارب الاشتراكية في البلدان المختلفة، للاستفادة منها في وضع تصور عصري للخطوات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، التي تلائم أوضاع وظروف بلادنا الخاصة، وتفضي للمستقبل الاشتراكي، مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية ومنع الاستغلال.
  • الرفاق الأعزاء:

لقد قام الشيوعيون السوريون على مدى قرن من الزمن بدور تنويري واسع في بيئاتهم، ونال الكثير من كوادر الحزب التقدير من الأوساط الشعبية، لمّا كانوا يدأبون على التثقف والاطلاع والتواصل مع مختلف الفئات الشعبية. وعلينا جميعاً أن نسعى للبناء على الماضي، وتحقيق إضافات نضالية، تعزز دور حزبنا بين جماهير شعبنا وفي تقدم وطننا.

 

مكتب العمل الفكري للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد

آخر الأخبار