افتتاحية العدد 1025 من جريدة “النور” | وللسلام أيضاً معاركه

كتب رئيس التحرير بشار المنيّر:

التاريخ المعاصر حافل بمعارك التسويات السياسية لحروب وكوارث عسكرية.. صحيح أن مسبّبات الحروب ودواعي التسويات السياسية لا تخضع للدوافع ذاتها، لكنها في النهاية تعبّر عن أسلوبين في إدارة الخلاف، أحدهما ينزع إلى القوة والعنف، والآخر إلى الحكمة والتعقّل وتجنيب البشرية مزيداً من المآسي.

وإذا كانت المعارك العسكرية تتطلب القوة واستخدام أشدّ الوسائل تدميراً للبشر والشجر والحجر، فإن معارك السلام تتطلب العقلانية والمساومة أحياناً، وأيضاً عدم التنازل عمّا سعت الحرب إلى أخذه بالقوة.

في الحالة السورية، وبعد أزمة وغزو إرهابي مدعوم من تحالف دولي قادته الولايات المتحدة، صمدت سورية بفضل تضحيات شعبها وجيشها الباسل في وجه الغزو والحصار والتجويع، وتسبّبت مجازر الإرهابيين وممارساتهم الهمجية في إزهاق أرواح عشرات الألوف من السوريين الأبرياء، إضافة إلى التدمير أو الحرق أو السرقة لأبرز ما بَنَتْه الأيدي السورية على مدى عقود من قطاعات منتجة وبنية تحتية، واستطاعت قواتنا المسلحة بالاستناد إلى دعم الحليف الروسي، استعادة معظم المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون، وفتحت الآفاق أمام التسويات السياسية للأزمة السورية، ثم أضافت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بعض العوامل التي سمحت بتحريض جديد لجهود كانت متعثرة في معالجة معوقات الحلول السياسية، وأبرز هذه العوامل اللقاء السوري – التركي.

سورية اليوم أمام مبادرة جديدة قد تثمر في إطار الحل السياسي لأزمتها التي أرهقتها، وآلمت شعبها، وهي معركة سياسية نأمل خوضها بكفاءة تساوي كفاءة إدارتنا لمعارك استعادة الأرض السورية، لا من أجل إنهاء حالة الحرب فقط، بل أيضاً من أجل البدء بتنفيذ الاستحقاق الأبرز الماثل أمام السوريين وهو إعادة بناء ما خربته الأيدي المجرمة خلال سنوات الجمر، والذهاب إلى ملاقاة هموم الشعب السوري التي تشعّبت وتشظّت إلى مشكلات صعبة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والمعيشية.

إن كسر الجمود في جهود التسوية السياسية، والإسراع في إنجاح الحل السياسي للأزمة السورية، بالاستناد إلى الثوابت الوطنية المتمثلة بخروج الاحتلال الأمريكي والتركي، ووحدة سورية أرضاً وشعباً، والحفاظ على خيارات السوريين الديمقراطية، يستجيب لضرورات إنهاء الحصار والعقوبات على بلادنا، وإنهاض الاقتصاد السوري، وتخليص جماهير الشعب السوري من تداعيات (تأبيد) الأزمة السورية، التي تعني مزيداً من المعاناة التي وصلت إلى مستويات مأسوية.

نثق بقدرة سورية على إدارة معركة السلام، ولجم محاولات مشعلي الحروب، وتجّار الكوارث والسلاح والأزمات، والمتربّحين من استمرار الأزمة.

ضعوا المصالح العليا لسورية وشعبها نصب عيونكم، وتذكّروا أن تضحيات الشعب السوري يجب أن تثمر.

آخر الأخبار