افتتاحية العدد “1029” من جريدة “النور” | المصلحة الوطنية.. وعلاقاتنا الدولية

كتب رئيس التحرير بشار المنيّر:

حين كان الشيوعيون السوريون يؤكدون أهمية تعزيز علاقات التعاون مع الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى، خاصة بعد المخطط الأمريكي الصهيوني الساعي إلى (ملء الفراغ) بعد استقلال بلادنا، ومحاولة جرّ سورية إلى حلف بغداد الاستعماري، لم يكن الهدف هو الحفاظ على سيادة بلادنا فقط، رغم أهمية ذلك، بل كان هدف الشيوعيين السوريين آنذاك هو وضع سورية على سكة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستقلة، بعد قرون من التخلف الذي خلّفه الاستعمار التركي، وعقود من الاحتلال الفرنسي لبلادنا، وبكلمة أخرى دعونا آنذاك وأيضاً عند تعرض بلادنا إلى غزو إرهابي والحصار الاقتصادي، إلى وضع مصلحة سورية وشعبها في المقام الأول عند اختيارنا لشركائنا وأصدقائنا، بهدف مقاومة الإرهاب ومواجهة المخططات الأمريكية والصهيونية، والحفاظ على السيادة الوطنية، واسترجاع الأرض السورية المغتصبة، ثم بعد ذلك من أجل مقاومة الاحتلال الأمريكي والتركي، وإعادة بناء ما هدمته أيدي الإرهابيين، وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.

صحيح أن انهيار الاتحاد السوفييتي قد ترك تأثيره السلبي على التنمية المستقلة في البلدان النامية، وأن القطب الأمريكي تفرّد منذ تسعينيات القرن الماضي بقيادة السياسة والاقتصاد العالميين، لكن الصحيح أيضاً أن أقطاباً عالمية أخرى قد برزت في مواجهة التفرّد الأمريكي، ومارست سلوكاً سياسياً سلمياً بديلاً عن السلوك الأمريكي العدواني، مشعل الحروب في بقاع مختلفة من عالمنا.

في المأساة السورية التي تسببت بها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية أهمّها وأخطرها الغزو الإرهابي والتدخل الخارجي، وبعد أن فرض الحصار الجائر على بلادنا من قبل تحالف عدواني قادته الولايات المتحدة وأوربا وحلفاؤها في المنطقة، كانت المصلحة السورية العليا تقتضي الاستفادة من صداقات أقطاب عالمية كروسيا والصين والهند، ودول أخرى كإيران معادية للهيمنة الأمريكية والتوغل الصهيوني، ولتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة نفوذ أمريكية بحراسة الدركي الصهيوني.

لقد لعبت هذه الصداقات دوراً هاماً، إلى جانب الدور الأبرز الذي لعبته تضحيات شعبنا وجيشنا الباسل في مواجهة الغزو الإرهابي والعدوان الأمريكي، وإعادة السيادة السورية إلى معظم مناطق البلاد، وساعدت في تخطي العقوبات الجائرة وفي تخفيف الأعباء الاقتصادية والمعيشية، إضافة إلى المساهمة الفاعلة في بذل الجهود لإنهاء الأزمة السورية عبر الحلول السياسية، في وقت تبذل فيه الإدارة الأمريكية أقصى جهودها لتقسيم سورية، وعرقلة أي حل سياسي لأزمة السوريين.

لقد وقفنا نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد إلى جانب روسيا في مواجهتها للعدوانية الأمريكية، وتهديدات (الناتو) لأمنها ونشر أسلحة الدمار الشامل على حدودها، من أجل مساعدة مواطني لوغانسك ودونتسيك، في مقاومة الطغمة الفاشية في أوكرانيا، ومن أجل وضع حدّ لتفرّد القطب الأمريكي، وتحوّل العالم إلى فضاء متعدد الأقطاب، يضمن الأمن والسلام العالميين، ويتيح لدول العالم التنمية المستقلة والاستقرار.

كذلك طالبنا، وما زلنا نطالب، بإلغاء العقوبات الجائرة على إيران، وعدم عرقلة توقيع الملف النووي (5+1)، وتقوية العلاقات الاقتصادية بهدف تجاوز تداعيات الحصار والعقوبات.

لقد استندت مواقفنا إلى مرجعياتنا الفكرية والسياسية، وأيضاً إلى جوهر العلاقات مع هذين البلدين الصديقين، الذي ظهر جليّاً خلال سنوات أزمتنا، لكن هذه المواقف لا تعني أبداً أننا ملزمون بالتصفيق لأي سلوك سياسي قد يسلكه أيٌّ من البلدين، لا ينسجم مع مبادئنا ومواقفنا السياسية، فنحن على سبيل المثال مع حق المواطنين الإيرانيين في المطالبة بالحريات الديمقراطية والاحتجاج السلمي، ومع حق المرأة الإيرانية في ارتداء الحجاب أو خلعه، ولسنا مع اعتقال المحتجّين السلميين وملاحقتهم، لكننا في الوقت ذاته ندين التدخل الأجنبي في الأحداث الإيرانية ومحاولة الإدارة الأمريكية استغلالها.

في عالم يقف اليوم على حافة الهاوية، بسبب استماتة الأمريكيين وحلفائهم في الإبقاء على وحدانية القطب، وفي ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية التي يواجهها بلدنا وشعبنا الصابر منذ عشر سنوات، ومن أجل مقاومة الاحتلال والحفاظ على السيادة السورية ووحدة الأرض والشعب، لا بديل عن استمرار صمود سورية وشعبنا، ولا بديل عن بذل الجهود الصادقة والجدية لتأمين مستلزمات هذا الصمود، وخاصة تخفيف أعباء المواطنين المعيشية، ولا بديل أيضاً عن الحوار السوري – السوري الشامل، وأخيراً لا بديل عن تقوية علاقاتنا مع أصدقائنا الذين اختبر شعبنا في سنوات الجمر وفاءهم، وخاصة روسيا والصين وإيران.

آخر الأخبار