افتتاحية العدد 1037 من جريدة “النور” | نعم.. تعرّضنا لمؤامرة.. لكن!

كتب رئيس التحرير بشار المنيّر:

ما سبق بداية الأزمة والغزو الإرهابي الذي تعرضت له سورية وخلالهما وحتى اليوم، وما تسرّب من أرشيف دول التحالف المعادي لسورية بزعامة الولايات المتحدة، جميعها أزالت شكوك الكثيرين حول وجود مخطط رسمته الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، بهدف ضرب محور مقاومة الكيان الصهيوني، وحلقته الرئيسية سورية، تمهيداً لاستباحة الصهاينة الشرق الأوسط برمته.

المسألة أصبحت مكشوفة، ونشرت آلاف الصفحات حول السيناريوهات التي أُعدّت في المطابخ السياسية للدول التي فتحت خزائنها وترساناتها لأعتى قوى التطرف التكفيري لإتمام هذه المهمة، وهذا لا ينفي أن مطالب بعض من خرج مسالماً في البداية حول ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد كانت مطالب مشروعة، لكنها اسُتغلّت لبدء تنفيذ المخططات المرسومة.

منذ البداية طالبنا نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد، بحشد جميع القوى الوطنية من أجل دحر المؤامرة ومواجهة الإرهاب، وطالب غيرنا أيضاً، ووضعنا العديد من الاقتراحات للتخفيف من آثار الحصار الاقتصادي الظالم والعقوبات الجائرة، كان أبرزها تشكيل (حكومة حرب).. أو حكومة طوارئ، تحافظ على الموارد الوطنية، وتوزعها وفق مبادئ العدالة، وتبذل الجهود المخلصة لتحفيز قطاعات الإنتاج في القطاعين العام والخاص، وخاصة في الزراعة والصناعة، وضرب كل من أراد اقتناص الفرصة، والإثراء، بسبب الأوضاع الاستثنائية في البلاد، والتعامل بشفافية تامة مع المواطنين، في كل ما يتعلق بالمستجدات والظروف الطارئة، وبذلك نصلّب صمود شعبنا وجيشنا في مواجهة المؤامرة الكبرى من جهة، ونسدّ الطريق على من يحاول استغلال غضب المواطنين من تدهور الوضع المعيشي بسبب الحصار وضعف الأداء الحكومي ونجهض محاولات أخذ سورية من الداخل التي كانت ومازالت هدفاً تسعى إليه الولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة ثانية.

ما الذي جرى بعد ذلك؟

1- تعاملت الحكومات المتعاقبة مع الأزمة وكأنها ستنتهي خلال فترة قصيرة، فلم تحشد الموارد الوطنية، ولم تضع الخطط لتشجيع القطاعات المنتجة، ولم تبذل الجهود في إعادة الرساميل المهاجرة، ولم تضبط سوق القطع السوداء أو سماسرتها، ولم تشجع على توجيه المدخرات باتجاه الإنتاج.

2- جرى تضخيم أرقام الدعم الحكومي في الموازنات، واستخدم ذلك في تقليص مقدار الدعم للفئات الفقيرة بحجة نقص الإيرادات العامة.

3- رفعت الحكومات أسعار المازوت والفيول والبنزين والكهرباء، فأدى ذلك إلى ارتفاع جنوني لأسعار جميع السلع والخدمات، في الوقت الذي تقلّص فيه الدعم الحكومي.

4- شعرت الفئات الفقيرة أن عبء الحصار والعقوبات وقع على عاتقها فقط، في الوقت الذي يستعرض فيه الأغنياء وأثرياء الحرب بذخهم.

5- تساهلت الحكومات في مواجهة الفساد، مما فوّت على خزينة الدولة المليارات، وصرح وزير المالية الحالي أن حجم أعمال المتهربين من الضريبة عام 2021 بلغ 3.2 تريليونات ليرة و100 مليون دولار!

6- أصبحت الأوضاع المعيشية لأكثرية السوريين أحجية كبرى، فأجور العاملين والمتقاعدين الشهرية لا تغطي إلا بضعة أيام.

7- الزراعة هي النشاط الرئيسي لنحو 40% من المواطنين، وتعاني معضلات كبرى أهمّها الريّ، وأدّت زيادة أسعار المازوت والسماد إلى زيادة هموم المزارعين، ورفع أسعار جميع السلع الزراعية والصناعات التحويلية القائمة على الإنتاج الزراعي.

نعم، تعرّضنا لمؤامرة كبرى، وصُرفت مليارات الدولارات لإركاع سورية، وفرضوا الحصار الخانق على رقاب السوريين، لكن لم تتوفر لدى حكوماتنا المتعاقبة الحكمة الكافية للتخفيف من أعباء الضغوط والعقوبات المفروضة على بلادنا.

سورية اليوم تواجه الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي، وتهديدات أردوغان بالاجتياح البري، وصمودُ سورية وشعبها وجيشها الباسل مرهونٌ بتوفير متطلبات هذا الصمود. نكرّر هنا ما اقترحه حزبنا الشيوعي السوري الموحد مراراً بعقد مؤتمر اقتصادي وطني يشارك فيه خبراء الاقتصاد السوري، بهدف وضع الاقتراحات العملية لتحفيز القطاعات المنتجة، وتخفيف الأعباء المعيشية عن كاهل أكثرية السوريين، وتهيئة البلاد لمواجهة الاحتلال والعدوان.

التفرّد في هذه المسألة، والتوهّم بامتلاك الحقائق وإنكار ضرورة الآخر، لا يخدم الصمود السوري.

آخر الأخبار